Wednesday, December 2, 2009

هدايا


فتحت صندوق الذكريات، كما تسميه، وراحت تخرج ما فيه.
.....
قطعةٌ خشبيةٌ حُفِرَت عليها تقاسيم وجهها، وأسم حبيبها بخط صغير أسفل الرسم، وتاريخٌ يعود إلى سنواتٍ ثلاثٍ قبل يومها ذا. تنظر إلى القطعة الخشبية فترى وجهها كأبهى صورها على الإطلاق، بعضُ الزورِ مباحٌ على لوحٍ خشبى إذا وافق ما عَمِىَ عنه راسمُها، وقتها، من بعض العيوب. كانت هديته لها فى عيد ميلادها الأول بعد تعارفهما.
.....
دفترٌ بال، فى كل صفحة طابع بريد، تحته، وبخط جميل كلوحة فنية تظهر جمال أحرف العربية دون تكلف الثلث أو غموض الكوفى، كتب كل ما يعرف عن هذا الطابع؛ مناسبة وتاريخ صدوره، وصف وشرح ما رُسم عليه، إنطباعه عنه وتاريخ معرفته به. أهداها دفتره لجمع الطوابع بعد إدعائها أنها كانت هوايتها القديمة.
.....
ديوانُ شعرٍ فى صفحته الأولى إهداءٌ أرقُ من أجملِ قوافيه، يحكى ولعَ شاعرِه بضُمَيّريةٍ يوافق إسمُها إسمَها، فيرى أنه إذا أراد زيادةً فى حبها ما وجد مزيدا، كان هديته الأولى يصارحها فيه بحبه.
.....
تعذبها هداياه بعد فراقه كما حيْرتها وقتها؛ كانت كفتاة شرقية من الطبقة المتوسطة تقيس جديته بثمن هداياه؛ دائما تشك فى نواياه، أبدا لم تحاول فهمه؛ لم تخرج نحته لصورتها من صندوقها، لم تدرس من دفتر الطوابع سوى صوره، ولم تقرأ من ديوانه سوى الإهداء.
.....
بيدها كتبت نهاية علاقتهما، ونهاية هداياه، وبإلحاح صديقاتها غيرت صفات فتاها المنتظر إلى تاجر غنى أو طبيب مرموق.
.....
هو هو؛ فى عيد ميلاد خطيبته؛ أهداها ثمنَ هدية ثمينة تختارها بنفسها.
.....
.....
عمرو عشماوى (02-12-2009)

Sunday, October 25, 2009

أيامك طين


يُقَالُ أنَ المُنَجمين أبصَروا
حياةًً من الوحلِ لمائىٍّ وترابيةٍ
وفقاٌ لطبائعِ الأبراجِ
من جهلهم يأتون بالعجبِ
ويفتروا كذباً
بسبعةًٍ من الشهبِ
.....
وما فى ذاك إن صح رميهم
.....
أفلا تريْ للطينِ يوماً(1) للهوى والوفاء
ترابُه كافورٌ ومسكٌ
من وردِ أشبيلية صُبَ عليه ماء
تَدوسُه أميرةٌ وبناتُها بأقدامٍ مُنَعَمَةٍ
فَيُذكَرُ به .. إلى يومنا ذا .. ابن ماء السماء(2)
.....
والـطـين للإنبات والتـكـوين(3)
هكذا عن آدم أبينا؛ يُحَاجّ الأميرى بشار بن برد
وما أدراكى ما بشار
فلا تبتأسى؛ فما فى الطين من عار
وإهدأى بالا، ولا تعبئى، وأبشرى
فكلُ أيامكِ طين
.....
.....

خبرا عني المنجـم أنـي ... كافر بالذي قضته الكواكب
عالماً أن ما يكون وما كان ... قضاه من المهيمن واجب
(الشافعى)

.....
عمرو عشماوى (25-10-2009)
.....
(1) يوم الطين: يوم من أيام الأندلس خلط فيه المعتمد بن عباد المسك والكافور بالماء وفرش به قصره لتلهو به زوجته وبناته.
(2) المعتمد: محمد بن عباد بن ماء السماء
(3) هو قول بهاء الدين الأميرى:
إبليس مـن نـار وآدم طينــة ... والنار لا تسمو سمو الطين
فالنار تفنى ذاتها ومحيطهـا .. والـطـين للإنبات والتـكـوين
ردا على قول بشار بن برد:
إبليس خير من أبيكم آدم ......فتنبهوا يا معشر الأشرار
إبليس من نار وآدم طينة.....والأرض لا تسموا سمو النار

Saturday, October 3, 2009

بين بين


هو ضيف دائم .. لبرامج المنوعات
يسمى أداء العبادات .. روحانيات
يؤيد السينما .. النظيفة
والغناء .. الهادف
والفن .. الراقى
يدعم .. الوحدة الوطنية
ويناصر .. قانون المواطنة
ينّسب دعوته .. للحب
يصف أفكاره .. بالتقدمية
أحيانا يتحول بلغته .. للإنجليزية
بعدها مباشرة .. يترجم للعربية
(ما الداعى إذن .. لا أدرى!!)
هو من أعلام الخطاب الدينى .. العصرى
.....
يتهمه منتقدوه – المتزّمتون حسب رأيه –
بالإنحلال
ويتهمه منتقدوه – المنحلون حسب رأيه –
بالتزّمت
كلاهما ينتقده بحدة
وبشخصه
وبإسمه
هم ينتقضونه صراحةً
وهو يرد عليهم توريةً
.....
هو بين بين؛ فى أراءه
بين بين؛ فى رده على خصومه
بين بين؛ فى خصومته مع كلا الطرفين
حتى خصومه؛ بين بين فى بغضهم له
.....
الغريب .. أن خصومه من كلا الطرفين
لا ينتقد بعضهم بعضا كما ينتقدونه
الغريب .. أنه يصر على إستكمال المسيرة
ولا يثنيه عن ذاك وعيد
الغريب .. أن محبيه كُثٌر
كلهم .. بين بين
.....
.....
عمرو عشماوى (03-10-2009)
.....
.....
صدقاً؛
لا أقصد أحدا بعينه
ولا أنتقد محبي ذاك الغير مقصود!!!

Sunday, September 20, 2009

صلاة العيد


صورة للمسجد الحرام فى صلاة عيد الفطر 1430 هجرية
.....
إمتلئ المسجد الحرام وساحاته الخارجية بالمصلين، اليوم فى صلاة عيد الفطر لعام 1430 هجرية شأنه كشأن كل المساجد والساحات فى كل بلاد المسلمين، مكبرين مهللين خاذلين أنفلونزا الخنازير وسائر الأوبئة.
.....
صلاة العيد:
خَذَلنا بها جيشَ الردى فهى بيننا ... وبينَ الذي نخشى من الموتِ برزخُ
ابن شهاب (بتصّرف)
....
....
عمرو عشماوى (20-09-2009)

Sunday, August 9, 2009

عدسات ملونة

هى: تحت امرك يا فندم.
هو: انا عاوز عدسات لونها زى بتاعتك بالظبط.
هى مبتسمة: حاضر يا فندم .. ثوانى.
................
غابت قليلا .. ثم عادت وبيدها علبة صغيرة ناولته اياها ليتفقد الصورة الخارجية سريعا قبل انت ترتسم علامات الرضا على وجهه إذ وافق لون العينين المرسومتين على العلبة مبتغاه.
................
هى: أنا اسفة جدا سائل الحفظ الخاص بالعدسات مش لاقياه .. لو حضرتك اديتنى ساعة بس هيكون جاهز.
هو: مفيش مشكلة .. انا هشتريها دلوقتى .. وهنتظر الساعة دى فى الكافيتريا المقابلة للمحل.
هى: أوك .. أنا هجيبو لحضرتك بنفسى هناك.
هو: متشكرجدا .. فى انتظارك.
................
قضى وقته يفكر فى فتاته التى اشترى العدسات من أجلها، يفكر كيف أن إيليا ابو ماضى، ببيت من الشعر، كان وراء إصراره على أن تستبدل النظارات الطبية بتلك العدسات الملونة، كم تعب فى إقناعها بذلك.
................
تناول قلم من جيبه وكتب على علبة العدسات:
لولا نواعسها ولولا سحرها ... ما ودَّ مالك قلبه لو صيدا
................
هى: إتأخرت عليك؟
قالتها وجلست فى المقعد المقابل له بعد ان وضعت حقيبة يدها على الطاولة.
هو مبتسما: لا أبدا .. إتفضلى.
هى مازحة: ما أنا إتفضلت خلاص. الحقيقة سائل الحفظ لسة مجاش وانا ميعاد ورديتى خلص.
هو مشيرا للنادل: ولا يهمك .. تشربى ايه؟
هى مستطردة: لو ممكن تجيلى بكرة فى نفس الوقت ده؛ أكيد هيكون جاهز.
هو: مافيش مشكلة. أنا لفيت كتيير على درجة اللون وملقتهاش غير عندكو ولقيتك كمان حطاها. تشربى ايه؟
هى خجلة: على فكرة دى مش عدسات؛ ده لون عينى الطبيعى.
النادل: تشربى ايه يا فندم؟
هى: ....
................
تناولت علبة العدسات من أمامه عابثة، لتجد ما خطه عليها؛ راحت تقرأ الكلمات التى كتبها على العلبة ببطئ كطفل حديث العهد بالقراءة. كررتها مرتين قبل أن تعلن يأسها معيدة العلبة لمكانها الأول.
................
هى: مش فاهمة ولا كلمة من اللى انت كاتبها.
صمت قليلا قبل أن يجيبها: معناه إن عنيكى حلوة أوى.
هى بخجل مشيرة إلى التليفزيون: الأغنية دى حلوة أوووى. شريط حسام حبيب الجديد كله يجنن.
نظر خلفه للحظة، واكتفى بإبتسامة دون رد؛ إذ كانت هذه المرة الأولى التى يسمع فيها اسم المطرب الذى ذكرته.
هى بدلال طفولى: أيه مش بتحبه؟
هو: لا طبعا بحبه .. حد ميحبش حسام حبيب.
................
مر الوقت سريعا على كليهما وهما يتجاذبان أطراف حديث كله بلا معنى؛ إذ بعد ساعتين دون توقف عن الكلام لا يتذكر عما تكلموا، فقد إنحسر الكلام على تبادل الإنطبعات وردها عما حولهما؛ الأغانى المعروضة على التلفاز، الأكلات المعروضة فى قائمة الكافيتريا، الزبائن وكل من مر بجانبهما. بدا سعيدا بالحوار عكس ما بدأه؛ وقد حزن حقا حين إستأذنته للمغادرة.
................
هى تلملم حاجاتها: مستنياك بكرة.
هو: أكيد.
................
جلس خمس دقائق قبل أن يدفع حسابه وينصرف إلى سيارته التى أوقفها أمام الكافيتريا.
النادل مهرولا نحو السيارة: يا أستاذ .. حضرتك نسيت العلبة دى.
ناوله النادل علبة العدسات منتظرا كلمة شكر لم يسمعها إذ بدا صاحب العدسات غارقا فى التفكير وهو يتأمل العلبة بين يديه، ولما أفاق، إلتفت ليشكر النادل، فوجده قد غادر. نظر فى ساعته وانطلق مسرعا ليلحق موعد خروج فتاته من عملها.
................
أمام المستشفى، أوقف سيارته، وراح ينتظر خروجها وهو يفكر فى موعد غده؛ ترى؛ ما الذى يجذبه إليها؟ أهو سحر عينها حقا؟! ماذا يرتدى لموعده؟ سيل من التساؤلات وهروب حتى من التفكير فى إجابة.
................
قطع تفكيره صوت إغلاق باب سيارته. حينها وجد فتاته داخل السيارة بنظاراتها الطبية ومعطفها الأبيض تنظر إليه مبتسمة.
هى مازحة: اللى واخد عقلك.
هو: إتأخرتى ليه؟
هى: أصلى نسيت الجرنال فرجعت أجيبه.
أخرجت من حقيبتها جريدة المعارضة الأشهر وأشارت إليها متساءلة: قريت قصيدة فاروق جويدة الأخيرة؟
هو: لا .. مبقيتش أحبه
هى: ليه بقى إنشاء الله؟
هو: علشان بقى كئيب جدا
هى ضاحكة: كئيب بس حلو وبيعجب كل الناس
أدار محرك السيارة وهو يتمم فى سره .. مش كلهم!
................
هو: حلو الفريم بتاع النضارة .. ده جديد؟
هى: لا مش جديد .. إنت اللى مبتحبهاش فمش بتاخد بالك من ان الفريم حلو.
هو محرجا: خلاص غيرت رأيى.
هى مازحة: يعنى هترحمنى من إيليا أبو ماضى؟
هو: هو ايليا أبو ماضى وحش؟
هى: لأ .. بس مش عارفة إشمعنى القصيدة دى اللى عجباك .. ليه مش عجباك "كن جميلا" الى خدناها فى المدرسة؟
هو ضاحكا: علشان خدناها فى المدرسة
هى: كن جميلا ترى النظارات جميلة.
هو ضاحكا: طب أقريلى فاروق جويدة كتب ايه أحسن.
هى سعيدة .. و بطلاقة .. تقرأ القصيدة الجديدة الحزينة طول الطريق.
................
اللعنة على النساء! يأسرن قلبك على إختلاف طبائعهن! هكذا تمتم وهو فى طريق عودته إلى بيته بعد أن أوصل فتاته لمنزلها.
................
تناول علبة العدسات من درج السيارة، أخرج العدسات من العلبة بيد، وبيد أخرى فتح النافذة بجواره وألقى العدسات. راح يتابعها فى مرآة الشمال حتى إختفت عن ناظريه، بعدها أعاد العلبة بما عليها من كلمات إلى درج سيارته وهو يردد بيت إيليا أبو ماضى؛ لكن هذه المرة بعد أن استبدل كلمة "نواعسها" بسكتة لطيفة.
................
لولا نواعسها ولولا سحرها ... ما ودَّ مالك قلبه لو صيدا
................
................

عمرو عشماوى 08-08-2009

Saturday, June 27, 2009

ظَنَ أنَ القَوي يَمتَنِعُ

الحكم بالاعدام على هشام طلعت مصطفى والسكري في قضية مقتل سوزان تميم


المستشار محمدى قنصوة:
يُعَلِمُ الدَهرَ انْ يَدورَ على ... من ظَنَ أنَ القَويَ يَمتَنِعُ
(تميم البرغوثى)

عمرو عشماوى 27-06-2009

Tuesday, May 26, 2009

قمر التاسع عشر

خَبَّرَنى عن رَسولٍ كريمْ
عادَ مكةَ بَعدَ ثمانِ سنينْ
وقد غَمَرَتْ دَعوتُهُ الفَضَاءْ
وحينَ ظَفَرَ بمن طَرَدُوه آنِفاً؛ عفا
قال أذهبوا .. أنتمُ الطُلَقَاءُ
...
حَدَثتُهُ عنِ الأتابِكِ؛ مُرَبِىْ الأمراءْ
مُحَاصِراً بَعْلَبَكْ طَالِباً دمشقْ
آملاً وحدةَ الشامِ حامياً مِصرْ
وحينَ ظَفِرَ بحاميتِها
قَتَلَهُم جميعاً .. أسكنهم الغبراءْ
************************
...
خَبَّرَنى عن قومٍ فى السَقيفةْ
يُشَاوِرُ أنصارُهُم مُهاجِرِيهم
فى إختيارِ إمامٍ يَحمِلُ اللواءَ من بعدِ النبى
ليخرجوا بعدَ ثلاثةِ أيامٍ فقط
بالصِدّيقِ للرسولِ خليفة
...
حَدَثتُهُ عن معشرِ الحُمَيْمَةْ
يدعون لإمامِ الرِضا من آلِ بيتِ خيرِ الخَليقةْ
يذيعون منَ الشعرِ بيتاً يَستَنكِرُ
لبنى البناتِ وراثةُ الأعمامْ
وبعدَ أعوامْ .. لم يبقْ لأموْىٍّ رأساً على عُنقٍ وثيقةْ
************************
...
قالَ باللهِ حَسْبُكَ الهذيانْ
أُخَبّرُكَ الكمالَ وتحكى لىْ النُقصانْ
قلتُ صبراً .. هذه كانت البدايةْ
أو إن شأتَ قلْ؛ منتصف الحكايةْ
وهاكَ تفاصيلُ النهايةْ
...
بعد مقتل زنكى؛ يحاصر معين الدين إنر بعلبك ويستعيد حصنه مرة أخرى، فيبقى على الحامية (جند زنكى) ويتخذ من رئيسها (نجم الدين أيوب) وزيراً. أما عن دمشق؛ فيستوليها نور الدين محمود (ابن عماد الدين زنكى) بالمصاهرة لا المحاصرة.
...
أما عن أمراء بنى أمية؛ فقد أغنى صقرها الفار منها عن زمرة بنى عمه القتلى؛ فدخل الأندلس فردا، ليدفن فيها بعد سنين وهو أعظم ملوك البلاد، ليغبطه بنو العباس (أعداؤه) ويلقبونه بصقر قريش.
...
لم يكن إنر أو عبد الرحمن بن معاوية بلا نقصان؛ فالأول حالف الفرنج والآخر عاش فى ترف البيت الأموى، ومثلهم كان خصومهم؛ لكنهم جميعا أكملوا المسيرة رغم ما كان من خلاف؛ كقمر ناقص يبدد ضوءه الظلام محاولا أن ينكر عن البدر إختلاف.
...
...
خمسةٌ من الليالى مَرَرَنَ
بعدَ إنتصافِ المُحَرَمِ
والقمرُ فى سماهِ يُقَاتِلُ الظلامْ
فى شهرٍ مُحَرَمٌ فيه القتالُ إلا لرد العِدا
والعَتْمُ فى كلِ ليلةٍ يَبتَدِأُ الخِصَامْ
يا قمرَ الشهرِ العَرَبىِ الحَرَامْ

************************
...
يا قمرَ التَاسِعِ عَشْرْ
يا قَمَرَ الجِهادْ
رِفقاً بِنَفسِكَ يا صاحبى
قد وفيت الميعادْ
تُقَاتِلُ بِثُلُثٍ نَاقِصٍ جَيشَ الظلامِ
لتُأنِسَ بالضِيا المَنصورِ السُهَادْ

************************
...
تُطِلُ فى العراءِ على عاشِقَيْنِ
يَحْرِقُ قَلبَيهُما فى الليلِ الهوى
فتُزكى بنورِكَ نارَ الغَرَامِ
وتُغنى أن يَحرِقَ الشَمعُ الهوا
وتَحكى بِنَقصِكَ نَقصَ جَمَالِها
وتَعمى بسحرِكَ، عن النقصِ، عينَ حَبيبِها

************************
...
أراكَ فأرى فى حالِكَ حَالى
وأذكرُ بنَقصِكَ نَقَصَ خِصالى
و أُلقى على الدهرِ عَتَبَكَ ولَوْمى
وأَبْحَثُ فى سَنَاكَ فُرجَةَ همى
لأجدَ فى ضوءِكَ عن نَفسِى الرِضَا
إذ يَبتَغى فى البدرِ بَعضَ الكَمَالِ

************************
...
دَنَا القمرُ لما أَتَانى فى المنامِ
وقالَ وبَوْحُ الليلِ صِدْقُ الكَلامِِ
سَلامٌ على كلِ أَهلِ الشَامِ وأَهلِ أندَلُسِ
سَلامٌ على سَلاطينِ الجِهَادِ ما خَلَوْ من نَقصى
ورَحمةُ اللهِ على كلِ أهلِ الطِعَانِ
ورَحمةُ اللهِ بمن عاشَ فى ذا الزَمَانِ

...
...
عمرو عشماوى 26-05-2009

Wednesday, May 13, 2009

رابطة العنق (La cravate)


فى إحدى المراكز التجارية الكبرى يتنزهان، يسيران جنبا إلى جنب دونما أن ينظر أحدهما للآخر؛ هى منبهرة بكل ما حولها كأنها زيارتها الأولى لهذا المكان، تنظر فى جميع واجهات المحلات التى تمر بها أياً كانت السلعة المعروضة، كانت كفراشة تطارد الأضواء دونما مأرب، أما الفراشة فتحترق، وأما هى فتشتعل شوقا لشراء كل ما ترى حتى لو كان لباسا للأطفال. أما هو فيكتفى بمراقبة المارة جيئةً وذهابا.
.....
فى حالهما هذا؛ كانت لا تتوقف عن الكلام؛ نبيع هذا ونشترى ذاك، أو نصبر قليلا حتى ندخر المزيد من المال فنشترى الآخر، أو نقترض من البنك و نشترى كليهما، لا تقلق؛ سوف يغطى نصيبنا من أرباح الشركة هذا العام الفوائد المضافة على القرض، المهم أن لا يتأخر الراتب كالشهر الماضى، كلام لا ينتهى عن العمل والمال.
.....
كان يكتفى بموافقتها دونما إكتراث، يومىء برأسه أو يصدر صوتا من أعماقه، لا أدرى أيُكتب بالألف أم بالميم، مفاد القول؛ كان الصوت يطمأنها بأنه يوافقها، ويطمأنه بأنها لن تلتفت إليه إذ تأكدت من وجوده بجوارها. هكذا هى زيجات زملاء العمل؛ هى تشاركه خططه المالية وأحلامه الوظيفية، وهو يشاركها راتبها.
.....
لم يصدق عينيه حين رآها فى آخر الممر تمشى بجوار شاب و يتجهان نحوه، للوهلة الأولى؛ توقف؛ وبتوتر؛ نظر يمنة ويسرة كأنما يبحث عن شيئ يختبئ خلفه من أنظارها، لكن بلا جدوى. تابع السير مهرولا ليلحق فتاته قبل أن تكتشف غيابه، وقد أدرك أنه لامفر من أن يلتقيا رغما عنهما، حتى لو كان اللقاء رد الطرف ودونما كلام.
.....
كانت ضربات قلبه تتسارع مع كل خطوة نحوها. بعد سنوات؛ بدت كأن لم تتغير؛ لا تزال بكامل جمالها وأناقتها، لا يزال الوردى لونها المفضل؛ قلما تخلو ملابسها منه، لم تتغير مشيتها أيضا؛ دائما مرفوعة الرأس، لا تتلفت حولها، ولا تنظر موضع قدميها، لكن يبدو أن ذوقها تغير فى الرجال؛ فرفيقها يرتدى عوينات طبية ورابطة عنق، كم كانا يتهامسان سخرية من زملائهما حين يرتدون رابطة العنق ويحكمون إغلاقها، كان يمازحها بأنه لن يرتدى رابطة عنق فى زفافهما؛ والآن ترافق رجلا يرتديها فى مركز تجارى.
.....
بعد أن كان يحاول أن يختبئ منها، صار يرجو أن تراه، فقط تلتقى عينيهما عله يرى فى عينيها ماض لا يدرى كيف فر من بين أصابعه كحبات الرمال، عله يعود، ولو للحظات، كما كان.
.....
لم تعطه مبتغاه، مرت وكأن لم تره، لا يدرى أحقا غفلته؟ أتجاهلته؟ أيمكن أن تكون نسيته؟! لا يدرى ماذا جرى، فقط أحس بإختناق، وبحركة لا إرادية مد يده ليفرك عنقه .. توقف عن المسير فجأة وأمتنعنت عيناه عن الغمض، لم يعد يرى أو يسمع أى شئ حوله، فلم تصل يده إلى جلد عنقه كما توقع، فقد حالت رابطة العنق المقفلة دون ذلك، نعم؛ كان يرتدى رابطة العنق.
.....
.....
عمرو عشماوى 13-05-2009

Saturday, May 2, 2009

سوق عكاظ 6

فيما بين هلال ذى القعدة وهلال ذى الحجة من كل عام كان يقام سوق عكاظ فى سهل بين مكة والطائف؛ يُقضى فيه فى كل أمرٍ جلل ويتبارى فيه التجار والشعراء كلٌ بما يملك. ولو إستمر هذا السوق ومرتاديه إلى زماننا، لتغيرت صبغته وتبدلت سلعته، فيجيد شعرائه فى وصف ما لا يستحق طلبا للرزق.
............
أهْدي إليّ بَقِيّة َ المِسْوَاكِ،... لا تظهرِي بخلاً بعودِ أراكِ
فَلَعَلّ نَفْسِي، أنْ يُنَفَّسَ ساعَة ً... عَنْهَا، بِتَقْبِيلِ المُقَبِّلِ فَاكِ
(ابن زيدون)
.........
معجون أسنان سيجنال
.........
عمرو عشماوى 02-05-2009

سوق عكاظ 5

فيما بين هلال ذى القعدة وهلال ذى الحجة من كل عام كان يقام سوق عكاظ فى سهل بين مكة والطائف؛ يُقضى فيه فى كل أمرٍ جلل ويتبارى فيه التجار والشعراء كلٌ بما يملك. ولو إستمر هذا السوق ومرتاديه إلى زماننا، لتغيرت صبغته وتبدلت سلعته، فيجيد شعرائه فى وصف ما لا يستحق طلبا للرزق.
............
وللهِ ما أزكى تجارة َ صفقة ٍ ... يكونُ لهمْ خُسرانُها ولنا الرِّبحُ
(ابن عبد ربه)
.........
بنك بيريوس
.........
عمرو عشماوى 02-05-2009

Friday, April 17, 2009

لعبة

فى حُبِها يَختَصِمان
وفى خصومَتِهِما لَذَتُها
........................
تواعدُ كليهما جهراً
كلٌ على إنفرادٍ .. نعم
لَكِنَها تُجَاهِرُ للغائبِ منهما بالتفاصيل
فَتًبقيهما دائماً فى إشتعال
........................
أصبحا يعرفانِ بعضَهُما دونما لقاء
فيعرفُ أحدُهُما ما يحبُ الأخرُ من الطعام
وأين قضى أجازَتَه الأسبوع الماضى
وما يتمنى أن يكون بعدَ عشرةَ أعوام
........................
يالها من لُعبةٍ سخيفة .. لكنها مسلية
توقدُ الغيرةَ فى كلٍ منهما
منتظرةً أن يبادرَ أحدُهُما برسالةٍ هزليةٍ
يَسُبُ فيها أخاه عن لسانِها فتكتملُ نَشوتُها
........................
ما تظنُ نَفسَها بنت الـ.. المُستَكفى؟!
قالاها دونما إتفاق
تركاها فى اليوم نفسِهِ
لتبحثَ عن لعبةٍ جديدة .. أو عن لاعبين جُدد
........................
........................

أكْرِمْ بِوَلاّدَة ِ ذُخْراً لِمُدّخِرٍ ... لوْ فَرَّقتْ بَينَ بَيْطارٍ وعَطّارِ
قالوا: أبُو عامِرٍ أضْحَى يُلِمُّ بها، ... قلتُ: الفراشة ُ قد تدنو من النّارِ
عَيّرْتُمُونا بأنْ قَد صارَ يَخْلُفُنا ... فِيمَنْ نُحِبّ وما في ذاكَ مِنْ عارِ
أكلٌ شهيٌّ أصبْنَا منْ أطايبِهِ ... بَعْضاً وبَعْضاً صَفَحْنَا عَنهُ للفَارِ
ابن زيدون

........................
........................

عمرو عشماوى 17-04-2009

Saturday, February 21, 2009

الرسالة الأخيرة

أغلق باب غرفته وأطفأ أنوارها عدا أباجورة على مكتبه، فتح درج المكتب وأخرج منه كتاب سميك إستخرج من بين طياته مظروف ذكّرَه طابع البريد الملصق عليه برحلة عمله القصيرة إلى الرياض مذ عامين أو أكثر. فض الظرف وفرد طيات الرسالة وبدأ فى قراءتها.
.................
لم تكن هذه المرة الأولى التى يقرأ فيها الرسالة؛ كان يقرأها كلما ألحت عليه ذكراها، يقرأها كلما ألح عليه حقده وأراد أن يلعنها، يقرأها ليتذكر خيانتها .. ويسلاها.
.................
عزيزى ***
.................
يتمتم ساخرا؛ عزيزها!، يسكت لبرهة ثم يستأنف القراءة؛ أكتب إليك لإستشارتك فى أمر مصيرى، لم أتحلى بالشجاعة الكافية لمناقشته معك فى آخر مكالمة هاتفية كلما قرأ هذا السطر من الرسالة يبدل كلمة الشجاعة بالوقاحة دون إكتراث للموضوعية فى إسترجاع ماضيه، أرجو أن تنصحنى كيف أن أوصل مشاعرى إلى شخص أحبه يفكر بغضب؛ ما تظننى بربها، مستشار غرامها، يكمل قراءة الرسالة غاضبا؛ تعرفت عليه مؤخرا ويزداد إعجابى به يوما تلو الآخر حتى لم أعد احتمل الكتمان أكثر من ذلك يتذكر حانقا كيف أن لم يكن قد مر على سفره أكثر من شهر حين تلقى منها رسالة تشكو من غرامها لشخص آخر، نعم لم يكن صارحها بحبه .. لكن، توقع أن تفهم، أنتظر كى يتيقن، لكنها لم تطل إنتظاره، صدقنى لقد لجأت إلى هذه الفكرة (مراسلتك بالبريد) بعد يأسى من جرأتى فى البوح بمشاعرى وجها لوجه، فقد قررت أكثر من مرة أن أصارحه بحبى، آخرها فى مطعم يوم الجمعة فى آخر لقائاتنا، وكل مرة تبوء محاولاتى بالفشل وتنحشر الكلمات فى حلقى دون خروج. فماذا ترى؟
.................
إمضاء #####
.................
أنهى قراءة الرسالة وهو يتمم غاضبا بكلمات غير مفهومة تتخللها بعض كلمات من الرسالة ذاتها، متعجبا كيف أنها كتبت الرسالة كاملة دون أن تقحم فيها كلمات إنجليزية كعادتها، دائما ما كان يمازحها وينتقض ثقافتها المزدوجة، ويستنكر أن يكون نصف كلامها بلغة غير لغة أهل بلادها، لكن يا لوقاحاتها، حين تستجيب لنقضه فإنها تستخدم ذلك فى إعلان حبها لشخص آخر ووضع النهاية لعلاقتهما.
.................
قطع تفكيره صوت الهاتف، إلتقط السماعة ورد على صديقه، كان مازال شاردا فى الرسالة، أفاقه صوت صديقه "أنت معايا؟ هاتيجى ولا لأ"، رد متسائلا؛ "أجى فين؟" فأجاب صديقه "فرايدايز (Friday's) يا عم .. بقالك سنتين مروحتش هناك" ثم إستطرد ساخرا "من أيام .. #####".
.................
لم يدرى هل سقطت سماعة الهاتف من يده بإرادته أم لا، كل ما يذكر أنه وجد نفسه على مكتبه بأنفاس لاهثة يبحث بعصبية عن الرسالة التى انتهى منذ دقائق من قراءتها، وجدها، وأخذت عيناه تتفقد الرسالة القصيرة بسرعة وكأنما يبحث عن كلمة معينة، قرب نور الأباجورة من الرسالة، وأخذ يقرأ بتأنى؛ آخرها فى مطعم يوم الجمعة فى آخر لقائتنا، وكل مرة تبوء محاولاتى بالفشل وتنحشر الكلمات فى حلقى دون خروج، بعدها صاح؛ يا لغبائى!، يا تعسى! لقد كانت تعنينى أنا!، يا ربى! لقد كانت تترجم إسم المطعم من الإنجليزية للعربية لترضينى، لقد لحظت توترها ساعتها، يا لحماقتى يا لحماقتى.
.................
بعد أن هدأ، أعاد الرسالة إلى مكانها وهو يتذكر كيف كان فظا معها بعد تلقيه رسالتها الرقيقة. أغلق درج المكتب والندم يعتصر قلبه ولأول مرة يكون جد حزين بعد قراءة رسالتها، لكنه هذه المرة حزين لسبب مختلف؛ حزين لأنها كانت .. الرسالة الأخيرة.
.................
عمرو عشماوى 15-02-2009

Tuesday, January 6, 2009

إنتظار

فى محطة القطار ينتظر قطاره الذى تأخر عن موعده. ورغم وجود سيارات أجرة امام بوابة المحطة توصله إلى مدينته؛ إلا أنه آثر الإنتظار، ليس للكسل يدٌ فى هذا الإختيار؛ وإنما هكذا تعود أن ينتقل بين المحافظات قبل رحيله عن البلاد؛ بالقطار.
........
يؤجج شوقَه الإنتظار، راح يجتر بعض ذكرياته السيئة فى محاولة للسيطرة على لهف إنتظاره، لكن بمجرد أن تردد نفير القطار فى المحطة؛ هفا قلبه، وأشتعل حنينه إلى بلدته؛ إلى شوارعها، ودورها، ومحلاتها. قام بسرعة وعلق حقيبته على ظهره وأمسك بأخرى فى يده إستعدادا لأن يستقل قطاره؛ لكن .. إنه ليس قطاره المُنتَظَر! لقد كان النفير لقطار قادم على الرصيف المقابل.
........
رجع إلى مقعده محبطا. عاد مرة أخرى للإنتظار. مرة أخرى؛ أخذ يفكر فى مهجره، كيف أنه أجمل من بلاده، أكثر تقدما، وتحضرا، وكيف استطاع أن يحقق نجاحات مبهرة فى فترة قصيرة، وأنه كان .. مرة أخرى يقطع صوت نفير القطار تفكيره، ويداعب شغفه للرجوع إلى بيته؛ إلى حجرته الصغيرة، ومكتبته، ورائحة طعام أمه قبل الغداء. دون أن يقوم من مقعده أمسك بمقبض حقيبته واطمأن إلى وجود الحقيبة الأخرى بجواره، وبتحفز؛ إنتظر دخول قطاره إلى الرصيف.
........
مرة أخرى لم يكن قطاره. إعتدل فى جلسته، وترك مقبض حقيبته، وكأنما إعتاد إحباطات الإنتظار. لم يمضى وقت طويل حتى دوى صوت نفير قطار آخر. لم يحرك ساكنا، حتى لم يلتفت؛ ظل فى مكانه حتى دخل القطار الرصيف، هذه المرة؛ هو؛ قطاره. علت وجهه إبتسامة راضية وهو ينظر لقطاره كأنما يخبره، بتمنعٍ، عن إمتنانه لوصوله. ظل فى مكانه دقيقة كاملة، بعدها قام يلملم حقائبه بتكاسل مسطنع كمن إعتاد إرتياد القطارات يوميا، واتجه بهدؤٍ إلى عربته.
........
تحرك القطار مغادرا المحطة، وهو بداخله يفكر فى الوصول، فى ذات الوقت يفكر فى عبئ الوداع المُنتَظَر.
........
........
عمرو عشماوى 06-01-2009