Tuesday, January 6, 2009

إنتظار

فى محطة القطار ينتظر قطاره الذى تأخر عن موعده. ورغم وجود سيارات أجرة امام بوابة المحطة توصله إلى مدينته؛ إلا أنه آثر الإنتظار، ليس للكسل يدٌ فى هذا الإختيار؛ وإنما هكذا تعود أن ينتقل بين المحافظات قبل رحيله عن البلاد؛ بالقطار.
........
يؤجج شوقَه الإنتظار، راح يجتر بعض ذكرياته السيئة فى محاولة للسيطرة على لهف إنتظاره، لكن بمجرد أن تردد نفير القطار فى المحطة؛ هفا قلبه، وأشتعل حنينه إلى بلدته؛ إلى شوارعها، ودورها، ومحلاتها. قام بسرعة وعلق حقيبته على ظهره وأمسك بأخرى فى يده إستعدادا لأن يستقل قطاره؛ لكن .. إنه ليس قطاره المُنتَظَر! لقد كان النفير لقطار قادم على الرصيف المقابل.
........
رجع إلى مقعده محبطا. عاد مرة أخرى للإنتظار. مرة أخرى؛ أخذ يفكر فى مهجره، كيف أنه أجمل من بلاده، أكثر تقدما، وتحضرا، وكيف استطاع أن يحقق نجاحات مبهرة فى فترة قصيرة، وأنه كان .. مرة أخرى يقطع صوت نفير القطار تفكيره، ويداعب شغفه للرجوع إلى بيته؛ إلى حجرته الصغيرة، ومكتبته، ورائحة طعام أمه قبل الغداء. دون أن يقوم من مقعده أمسك بمقبض حقيبته واطمأن إلى وجود الحقيبة الأخرى بجواره، وبتحفز؛ إنتظر دخول قطاره إلى الرصيف.
........
مرة أخرى لم يكن قطاره. إعتدل فى جلسته، وترك مقبض حقيبته، وكأنما إعتاد إحباطات الإنتظار. لم يمضى وقت طويل حتى دوى صوت نفير قطار آخر. لم يحرك ساكنا، حتى لم يلتفت؛ ظل فى مكانه حتى دخل القطار الرصيف، هذه المرة؛ هو؛ قطاره. علت وجهه إبتسامة راضية وهو ينظر لقطاره كأنما يخبره، بتمنعٍ، عن إمتنانه لوصوله. ظل فى مكانه دقيقة كاملة، بعدها قام يلملم حقائبه بتكاسل مسطنع كمن إعتاد إرتياد القطارات يوميا، واتجه بهدؤٍ إلى عربته.
........
تحرك القطار مغادرا المحطة، وهو بداخله يفكر فى الوصول، فى ذات الوقت يفكر فى عبئ الوداع المُنتَظَر.
........
........
عمرو عشماوى 06-01-2009