Sunday, November 20, 2011

يوم النهر

"صنع الريح على الماء زرد"، أجز يا ابن عمار، هكذا بدأت أشهر قصص الغرام الأندلسية؛ أميرٌ مولع بالشعر والفروسية يتحدى صاحبه الشاعر بن عمار فى أن يجيز شطر بيت من الشعر يصف تداخل حلقات الماء على صفحة نهر الوادى الكبير بمدينة أشبيلية بفعل الرياح. تعجز قريحة بن عمار عن التحدى وتسبقه جارية بما يسحر صاحبه بن عباد؛ "أى درعٍ لقتال لو جمد".
...
دائما أتخيل إعتماد الرميكية بصورة غير صورتها الدرامية التى مثلتها سولاف فواخرجى؛ فأظنها فتاة متوسطة الجمال تكبر أميرها العاشق بعامين على الأقل وأعجب بإختيارها الذكى للدرع مداعبة شغف أميرها بالفروسية وتركها للعُقدِ مثلا الذى يوافق المعنى ويجيز المبنى؛ فلو قالت "أى عقد لخوْد لو جمد" لجاز البيت.
...
لم يُروى عن الرميكية غير شطر هذا البيت الذى كان كان كافيا لأن يخطبها بن عباد لنفسه فى اليوم التالى من مولاها الحجاج بن الرميك متجاهلا نصائح صديقه بالعدول بادئا سلسلة من أشهر حكايات الهوى مما أغرى المأرخين أن يسموا هذا اليوم بمكان حدوث الواقعة، وهو ما أعتادوا أن يفعلوه مع الحروب والغزوات.
...
حكيت ممطيا ثور الحياد عن يوم النهر لصديق فتعجب من سهولة وسرعة الأحداث ورأى أنه من التهور إتمام هذه الأمور بتلك السرعة فلابد ،حسب رأيه، من فترة الإختبارات التى تسبق الزواج، هكذا خيب رجائى من الحكاية وتحول بنا الحديث من الإعجاب بذكاء وبديهة الرميكية إلى تطور تعقيدات إختيار الزوج أو الزوجة فى عصرنا ذا؛ فما عاد شطر بيت أو معلقة حتى كافية.
...
مع مرور الزمن أصبحنا نبنى أختياراتنا على أسس أكثر تعقيدا وأحيانا على أمثلة إفتراضية؛ فمثلا يسأل الخاطب فتاته عن ردة فعلها إذا ضرب بركان المدينة وجف النهر وأصابه الجزام وأصبحا لا يجدا قوت يومهما؛ هكذا على طريقة إختبارات رياضيات 4 فى الجامعة؛ مسائل فى غاية التعقيد ومستحيلة الحدوث لتختبر قدراتك فى حل مشاكل مختلفة تماما، وأحيانا تختبر قدراتك على حفظ إجابات غير منطقية.
...
عن غير قصد نكأت جرحه؛ فراح يحكى عن محاولة خطبته قبل الأخيرة عندما سألته والدة الفتاة عن معرفته ببعض أسماء الشيوخ فى قناة الناس؛ لتقيس مدى إلتزامه؛ ساعتها نظر إلى الفتاة الخجلة مدققا فى ملامحها قبل أن يختار جوابه؛ هو لا يشاهد غير روتانا سينما وميلودى؛ إحيانا الرسوب فى الإختبار يعد نجاة من أشياء أخرى.
...
هو ذاته تباهى أن زوجته فى فترة خطوبتهما رفضت مكالماته الهاتفية بعد الثانية عشرة ليلا؛ لا أدرى لماذا تذكرت سؤال التعارف الشهير بين الشباب والفتيات فى فترة التسعينات وبداية الألفية الجديدة؛ "ممكن أكلمك بعد الساعة 12 بليل؟!" فهو يحمل نفس المفهوم الموروث، ربما من قصة سندريلا، عن حاجز منتصف الليل، كنت أظن أن هذا السؤال لم يعد مستخدما بعد تطور وسائل الإتصال؛ لكن صديقى ذا خيب ظنى؛ فالأمر مازال معقدا حتى بعد عزوف الناس عن إستخدام الهواتف الأرضية ورخص ثمن الإتصالات من الهواتف المحمولة. سألته إن كان يخابرها بعد زواجهما بعد منتصف الليل فلم يجب.
...
تأنى صديقى ذا فى إختيار زوجته؛ أطال فترة الخطوبة، ومر بالإختبارات التقليدية قبل الزواج؛ مع ذلك؛ أظنه الآن، ولقابل عمره؛ يدفع ثمن مخالفته لى.
...
...

عمرو عشماوى
(20-11-2011)