Saturday, February 21, 2009

الرسالة الأخيرة

أغلق باب غرفته وأطفأ أنوارها عدا أباجورة على مكتبه، فتح درج المكتب وأخرج منه كتاب سميك إستخرج من بين طياته مظروف ذكّرَه طابع البريد الملصق عليه برحلة عمله القصيرة إلى الرياض مذ عامين أو أكثر. فض الظرف وفرد طيات الرسالة وبدأ فى قراءتها.
.................
لم تكن هذه المرة الأولى التى يقرأ فيها الرسالة؛ كان يقرأها كلما ألحت عليه ذكراها، يقرأها كلما ألح عليه حقده وأراد أن يلعنها، يقرأها ليتذكر خيانتها .. ويسلاها.
.................
عزيزى ***
.................
يتمتم ساخرا؛ عزيزها!، يسكت لبرهة ثم يستأنف القراءة؛ أكتب إليك لإستشارتك فى أمر مصيرى، لم أتحلى بالشجاعة الكافية لمناقشته معك فى آخر مكالمة هاتفية كلما قرأ هذا السطر من الرسالة يبدل كلمة الشجاعة بالوقاحة دون إكتراث للموضوعية فى إسترجاع ماضيه، أرجو أن تنصحنى كيف أن أوصل مشاعرى إلى شخص أحبه يفكر بغضب؛ ما تظننى بربها، مستشار غرامها، يكمل قراءة الرسالة غاضبا؛ تعرفت عليه مؤخرا ويزداد إعجابى به يوما تلو الآخر حتى لم أعد احتمل الكتمان أكثر من ذلك يتذكر حانقا كيف أن لم يكن قد مر على سفره أكثر من شهر حين تلقى منها رسالة تشكو من غرامها لشخص آخر، نعم لم يكن صارحها بحبه .. لكن، توقع أن تفهم، أنتظر كى يتيقن، لكنها لم تطل إنتظاره، صدقنى لقد لجأت إلى هذه الفكرة (مراسلتك بالبريد) بعد يأسى من جرأتى فى البوح بمشاعرى وجها لوجه، فقد قررت أكثر من مرة أن أصارحه بحبى، آخرها فى مطعم يوم الجمعة فى آخر لقائاتنا، وكل مرة تبوء محاولاتى بالفشل وتنحشر الكلمات فى حلقى دون خروج. فماذا ترى؟
.................
إمضاء #####
.................
أنهى قراءة الرسالة وهو يتمم غاضبا بكلمات غير مفهومة تتخللها بعض كلمات من الرسالة ذاتها، متعجبا كيف أنها كتبت الرسالة كاملة دون أن تقحم فيها كلمات إنجليزية كعادتها، دائما ما كان يمازحها وينتقض ثقافتها المزدوجة، ويستنكر أن يكون نصف كلامها بلغة غير لغة أهل بلادها، لكن يا لوقاحاتها، حين تستجيب لنقضه فإنها تستخدم ذلك فى إعلان حبها لشخص آخر ووضع النهاية لعلاقتهما.
.................
قطع تفكيره صوت الهاتف، إلتقط السماعة ورد على صديقه، كان مازال شاردا فى الرسالة، أفاقه صوت صديقه "أنت معايا؟ هاتيجى ولا لأ"، رد متسائلا؛ "أجى فين؟" فأجاب صديقه "فرايدايز (Friday's) يا عم .. بقالك سنتين مروحتش هناك" ثم إستطرد ساخرا "من أيام .. #####".
.................
لم يدرى هل سقطت سماعة الهاتف من يده بإرادته أم لا، كل ما يذكر أنه وجد نفسه على مكتبه بأنفاس لاهثة يبحث بعصبية عن الرسالة التى انتهى منذ دقائق من قراءتها، وجدها، وأخذت عيناه تتفقد الرسالة القصيرة بسرعة وكأنما يبحث عن كلمة معينة، قرب نور الأباجورة من الرسالة، وأخذ يقرأ بتأنى؛ آخرها فى مطعم يوم الجمعة فى آخر لقائتنا، وكل مرة تبوء محاولاتى بالفشل وتنحشر الكلمات فى حلقى دون خروج، بعدها صاح؛ يا لغبائى!، يا تعسى! لقد كانت تعنينى أنا!، يا ربى! لقد كانت تترجم إسم المطعم من الإنجليزية للعربية لترضينى، لقد لحظت توترها ساعتها، يا لحماقتى يا لحماقتى.
.................
بعد أن هدأ، أعاد الرسالة إلى مكانها وهو يتذكر كيف كان فظا معها بعد تلقيه رسالتها الرقيقة. أغلق درج المكتب والندم يعتصر قلبه ولأول مرة يكون جد حزين بعد قراءة رسالتها، لكنه هذه المرة حزين لسبب مختلف؛ حزين لأنها كانت .. الرسالة الأخيرة.
.................
عمرو عشماوى 15-02-2009