Thursday, August 26, 2010

الجماعة - بعد الحذف

مذ بدأ شهر رمضان لعام 1431 هـ 2010 م نويت ألا أتابع أياً من المسلسلات المعروضة؛ كنت واقعيا هذا العام؛ لم أنوى المقاطعة؛ فقط لن أتابع مسلسلا بعينه؛ فأشاهد بعض الحلقات العشوائية حسب مزاج عائلتى وأكتفى بسماع أراء أصدقائى فى مختلف المسلسلات. ظللت على مبدأى ثلث الشهر، حتى صادفت منتصف إحدى حلقات مسلسل الجماعة، لم يطاوعنى بعدها جهاز التحكم عن بعد فى تغيير المحطة، ووجدتنى أتابع المسلسل يوميا بشغف عهدته فى نفسى.
.....
بعد أيام قلائل من عرض المسلسل شنت جماعة الإخوان المسلمون حملة هجوم عنيفة عليه، وأسمع أخبارا، لم أتحرى صحتها، عن عزم جماعة الإخوان إنتاج مسلسل آخر من الأردن يُصلح ما أفسده وحيد حامد، كاتب المسلسل، لم أكن أدرى حجم المشكلة الحقيقى، فساعتها كنت لازلت محتفظا بما فرضت على نفسى من أول الشهر.
.....
لنا عهد عتيد فى تزييف التاريخ؛ تزييف منهجى ومتعمد، فلا يشعر الكاتب بأى حرج فى تغيير حدث أو إضافة واقعة تخدم هدفه، وإن كذبتنى؛ فتحرى عن أفلامنا التاريخية الخالدة "الناصر صلاح الدين" و "وا إسلاماه" فتجد إفتراءات تحولهما إلى أفلام خيالية ومثلهما كثير من الأفلام والمسلسلات. لكنى أظن أن مسلسل الجماعة ليس من هذه الأعمال! فتناوله لسيرة حسن البنا، حتى الآن، نبدو محايدة وأمينة إلى أبعد الحدود، نعم لا تخلو من بعض الأخطاء والكثير من التعريض بمعتقدات الكاتب؛ إلا أنها تكاد تخلو من الأخطاء الجسيمة. وهذا بلا شك مما يحسب لوحيد حامد.
.....
أما عن تصوير الحاضر والصراع الأمنى مع جماعة الإخوان المسلمين؛ فيجانب الحياد جل الوقت؛ فرجال الأمن طيبون يصحبون الغول والعنقاء والخل الوفى، ورجال الإخوان يخالطون مردة الجن وقطاع الطرق. لكن إن جانب هذا التصوير الحياد فلا يبدو لى أن قد أجحف الموضوعية "نسبيا"؛ فمذ متى لا يُزَيَفُ واقعنا على شاشة التلفاز؛ مذ متى تتناول المسلسلات الأمور، حتى الإجتماعية منها، بحياد وموضوعية!
.....
أظن أن أول ما يعدل كفة الحياد معرفة المشاهد بكاتب المسلسل وحيد حامد ودرايتهم بموقفه المسبق من جماعة الإخوان المسلمين؛ فتجد العاقل يحذف المبالغات تلقائيا؛ لمعرفته بإتجاهات الكاتب، بل ربما يطول بعض الحقائق الحذفُ فى محاولات المشاهد التغلب على تحيز الكاتب؛ فيحيّد الإنتقاضات وربما يبالغ فى مباركة الإيجابيات مما قد يرجح كفة المُنتَقَض، تماما كأنك تشاهد هجوما عنيفا من التليفزيون المصرى على قناة الجزيرة القطرية، أو حين تشيد قناة الأهلى بمهارات شيكابالا؛ قس ردة فعلك فى الحالين.
.....
أما عن إختيار إياد نصار للقيام بدور حسن البنا؛ فيعدل كفتى الحياد تماما؛ فهو متمكن ومبهر بما تعنيا الكلمتين من المعانى؛ وتكفى طلاقته فى تكلم الفصحى والعامية المصرية؛ فلو قارنت بين إياد نصار وعبد الرحمن أبو زهرة مثلا فى التمكن من الفصحى لأدركت فى أقل من دقيقة الفرق بين المصرى والشامى فى تكلم العربية؛ فتجد أنّا أبطأ فى نطق الكلمات من الشامى، دون تعجل منه، ناهيك عن المبالغة فى نطق حروف التفخيم والحروف المشددة ككلمتى "أضطررت" أو "سطّر".
.....
أظن أن لجماعة الإخوان المسلمين أن يحمدوا الله على أن سن نور الشريف لا يسمح له بالقيام بدور حسن البنا، وأن محمد رياض بعيداً عن الساحة الفنية!
.....
إجمالا؛ المسلسل رائع ويستحق المشاهدة، ووحيد حامد مبدع متحيز ويعطيك الفرصة لتفكر فى الحدث وتختلف معه، بل إنى أظن أن المسلسل نفسه يصلح أن يكون نسخة الإخوان الموضوعية إذا ما أضافوا شريطا أعلى الشاشة كتب عليه "تأليف وحيد حامد" وحذفوا كل مشاهد عزت العلايلى وابن محمود عبد العزيز.
.....
.....
عمرو عشماوى (26-08-2010)

Wednesday, August 18, 2010

التوقيت الشتوى


إلتقيا صيفا
وإفترقا شتاء
.....
إفترقا ليلة تأخير الساعة للتوقيت الشتوى
ساعة كأن لم تكن
تطيل ليلتها .. وتأخر غده
تجر اليسير من الإرتباك حتى آخر الإسبوع
بعدها .. كأن العام مذ بدأ؛ شتاء
.....
يأتى التوقيت الشتوى فى كل عام
بالجدل المعتاد عن جدوى تقديم الساعة
و
ذكرى فراقهما
.....
يومَ الفراق لقدْ خلقتَ طويلا ... لم تُبقِ لي جلداً ولا معقولا
(أبو تمام)

.....
.....

عمرو عشماوى (2010-08-18)

Wednesday, May 26, 2010

Nostalgia

واحدة من أسوأ إشارات المرور فى القاهرة الكبرى تُأخر وصوله للعمل ربع ساعة يوميا، تزداد قسوتها صيفا بعد إزالة كل مصادر الظل من جانبى الطريق فتُنفِذُ صبره وتُفسِدُ مزاجه.
.....
درجة الحرارة تقارب الأربعين حسب موقع الياهو، وهو كعادته متأخرا عن عمله يتصبر بسماع إذاعة إف إم على ملل الإشارة اللعينة، السيارات بجواره تباطئ سرعتها كفوج يساق إلى الجحيم، ومن وسط الزحام تصاعدت نغمات أغنية من السيارة القادمة من خلفه لتضئ تدريجيا جانبا من ذاكرته أظلم من سنوات عشر.
.....
أغلق الراديو قبل أن تستقر السيارة بجواره تماما ليستمع إلى أغنية غرامه القديم كأنها صادرة من راديو سيارته. حدق فى صاحبة السيارة علها تكون صاحبة الذكرى، فرغم إختلاف ملامحها وظاهر عمرها عن حبيبته الأولى؛ إلا أن الأغنية ظلت تلح عليه أنها هى، إذ ما الذى يغرى فى أغنية إبتعد صاحبها عن سوق الغناء بعد إصدارها بعامين، وما يغرى فى أغنية صار يراها مكرورة المبنى والمعنى ربما بعد نضجه الفنى وإختفائها من جميع الإذاعات، لكن بعد ثوان؛ رجّح عقله أنها ليست صاحبة الذكرى، وأكدت أذنه أنها أغنيتها.
.....
صار لثوان هائما فى إمرأة نسى ملامحها وقد أَنسَته النغمات الزحام ومواعيد عمله، وصار يرجو دوام اللون الأحمر فى إشارته اليومية وعدم توقف الراديو المجاور عن غناء ما أهدته حبيبته معرضة بحبه. كان يستمع لهذه الأغنية دون ملل يوميا طوال شهرين من إهدائها له.
.....
قطع شجنه تحرك السيارات من جانبه بعد تحول الإشارة إلى اللون الأخضر قبل إنتهاء الأغنية. إنحرف يمينا بحدة ليتخطى التاكسى الذى أمامه ويكمل الأغنية مما أثار صاحبة السيارة لتزيد من سرعتها فى محاولة للهرب من ملاحقته. كرر الإنحراف يمينا مرة أخرى ليلحق بها وسط الزحام؛ لكن هذه المرة لم تواتيه عجلة القيادة ليستطدم بتاكسى أمامه نزل صاحبه ثائرا بعد أن بدأ وابل من السباب بدا يحفظه عن ظهر قلب.
.....
غادر سيارته متجاهلا سائق التاكسى متابعا بشغف السيارة الهاربة بذكرياته وقد بدأ نغمات الأغنية المنبعثة منها يتلاشى ويحل محلها أغنية "حجرين ع الشيشة" المنبعثة من التاكسى المصدوم من الخلف.
.....
هدأ سائق التاكسى تدريجيا بعد أم تأكد من خلو سيارته القديمة من أى إصابات مكلفة وعاد كل منهما إلى سيارته منتظرا مرة أخرى أن تعطى الإشارة ضوئها الأخضر لإستكمال الطريق إلى الجحيم.
.....
طول طريقه للعمل فشل أن يتذكر نغم الأغنية أو شطر من أبياتها كأنه يوما لم يستمع إليها عشر مرات فى اليوم الواحد، فشل تماما، وزاد الأمر سوأ أن أغنية "حجرين ع الشيشة" ظلت تلح عليه طول الطريق وكأن سائق التاكسى يطارده.
.....
.....
عمرو عشماوى
26-05-2010

Saturday, February 20, 2010

نعى

فى الذكرى السنوية الأولى لوفاة والده؛ يتولى بنفسه إجراءات نشر النعى فى إحدى الصحف العريقة. لا يعلم سببا لمتابعة صفحة الوفيات إلا إطمأنان قارئيها أنهم بعد لم يفارقوا الحياة؛ إذ يتأكدون من غياب صورهم وأسمائهم، مؤقتا، من الظهور فى الصفحة قبل الأخيرة من الجريدة. رغم عدم إقتناعه بجدوى هذه المراسم إلا أنه يتعامل مع الأمر بجدية تامة إكتسبها من والدته؛ إذ تولى؛ بطبيعة الوضع الإجتماعى المرموق للعائلة؛ إهتماما مبالغا فيه لهذه الأمور.
..........
خرجت مهرولة من غرفة جانية تتفقد بسرعة أوراق ملف تحمله. تلاقت عينيهما للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات؛ توقف عن السير، وتراجعت هى خطوتين للوراء، وقد تخلت عن مراجعة أوراقها، لتقف قباله تماما. لثوانٍ وقفا يتأملان بعضهما فى صمت، قبل أن تبادر، بجرأتها المعهودة، بالكلام:
هى: جاى تعمل أيه فى الجرنال بتاعى؟
هو مبتسما: ده جرنال الحكومة
هى: طيب جاى تعمل أيه فى جرنال الحكومة؟
هو: جاى أنشر نعى فى الذكرى السنوية لوالدى
هى بنبرة حزينة: أنا أسفة جدا .. البقاء لله
هو مشتتا تعاطفها:ونعم بالله، إنت شغالة هنا؟
هى: لسة فى فترة تدريب .. بس قريب هبقى رئيسة التحرير
هو مبتسما: لم تتغيرى!
..........
إكتفت بإبتسامة وطلبت منه إنتظارها حتى تسلم مقالتها لرئيسها فى الغرفة المقابلة.
..........
راح يتابعها وهى تحادث رئيسها بشغفها المعهود، مشعة دائما وفى أى مكان. لا يدرى كيف إتفقا على الفراق بهذا البرود، كان الفارق الإجتماعى بينهما كبير، كانت كنجمات أفلام الأبيض والأسود القديمة، لكنه لم يكن أبدا كأبطال هذه الأفلام؛ ودون مقاومة؛ إستجاب لنصائح أبيه ومعارضة أمه.
..........
سرت قشعريرة فى جسده كمن صعقته الكهرباء فى مسبح حين رأى لوحته معلقة فوق مكتبها؛ شمس برتقالية باسمة ترتدى عوينات طبية ترسل أشعتها كأحرف عربية مبعثرة وقد توهجت حروف أسمها فيها بلون نارى. كانت أول من أهداه كتابا باللغة العربية؛ تتصل به ليلا لتقرأ له ما أعجبها منه، وتفسر له ما إستعصى عليه فهمه. بيده أضاع شهرزاده وأطفئ شمس الحروف المبعثرة.
..........
هى: معلش كان لازم أعرض المقال على رئيس القسم قبل ما يمشى.
هو: لسة عندك لوحة الشمس والحروف؟
سكتت ثوان خجلة قبل أن تجيبه مازحةً: صورتى وعجبانى
هى محولة مسار الحديث عن الصورة: ما رسمتش حاجات جديدة؟
هو: مش قادر أرسم خالص .. مش عارف ليه
هى: حرام عليك لازم ترجع ترسم زى الأول
..........
راحت تذكره بلوحاته وتمدحها كمحاورة فى برنامج تليفزيونى عن الفن التشكيلى لا يشاهده إلا من أضاع جهاز التحكم عن بعد أو من سأم تغيير المحطات الفضائية المكرورة. أما هو فكان كضيف هذا البرنامج؛ يجادلها متمنيا ألا ينتهى الحديث وهو يعلم تماما أنها قريبا تنهيه، وأنه سيعود إلى الظل كما كان.
..........
مرت دقائق كلامه معها مسرعة، ينتابه شعور متناقض؛ يتمنى أن يمضى يومه فى حديثه معها فى ذات الوقت يأمل نهاية اللقاء وراحته من من التفكير فى التمرد على الحياة الرتيبة التى إختارها بعدها.
..........
غابت عن ناظريه بعد حديثهما القصير تاركته فى حيرة لم تنتهى بنهاية لقائهما، ظل واقفا فى مكانه يتحسس قصاصة ورقية فى جيب سترته تحوى صيغة النعى، شاردا فى حاله، ناقما من ضعفه؛ إذ لا يدرى ما الذى يمنعه من أن يلحق بها كنهاية الأفلام العربية متحديا حاله متجاهلا عذاله، لكن يبدو أنه نعى فرصته لوَصلِها منذ فراقهما الأول بلا عزاء، فما تُغَيرُ ذكراها؟!
..........
عاد أدراجه من حيث أتى وقد ألقى نص النعى فى سلة المهملات، عاد رافضا أن يتم مهمته البرجوازية؛ عاد وقد صار يدرى لماذا لم يعد قادراً على الرسم منذ ثلاث سنوات.
..........
أقَصْرَ حُمَيدٍ! لا عَزَاءَ لمَغْرَمِ ... وَلا قَصرَ عن دَمعٍ، وَإن كان من دمِ
أفي كُلّ عَامٍ لا تَزَالُ مُرَوَّعاً ... بِفَذّ نَعيٍّ، تارَةً، أوْ بتَوْءَمِ
(البحترى)

..........
..........

عمرو عشماوى (20-02-2010)