Wednesday, May 26, 2010

Nostalgia

واحدة من أسوأ إشارات المرور فى القاهرة الكبرى تُأخر وصوله للعمل ربع ساعة يوميا، تزداد قسوتها صيفا بعد إزالة كل مصادر الظل من جانبى الطريق فتُنفِذُ صبره وتُفسِدُ مزاجه.
.....
درجة الحرارة تقارب الأربعين حسب موقع الياهو، وهو كعادته متأخرا عن عمله يتصبر بسماع إذاعة إف إم على ملل الإشارة اللعينة، السيارات بجواره تباطئ سرعتها كفوج يساق إلى الجحيم، ومن وسط الزحام تصاعدت نغمات أغنية من السيارة القادمة من خلفه لتضئ تدريجيا جانبا من ذاكرته أظلم من سنوات عشر.
.....
أغلق الراديو قبل أن تستقر السيارة بجواره تماما ليستمع إلى أغنية غرامه القديم كأنها صادرة من راديو سيارته. حدق فى صاحبة السيارة علها تكون صاحبة الذكرى، فرغم إختلاف ملامحها وظاهر عمرها عن حبيبته الأولى؛ إلا أن الأغنية ظلت تلح عليه أنها هى، إذ ما الذى يغرى فى أغنية إبتعد صاحبها عن سوق الغناء بعد إصدارها بعامين، وما يغرى فى أغنية صار يراها مكرورة المبنى والمعنى ربما بعد نضجه الفنى وإختفائها من جميع الإذاعات، لكن بعد ثوان؛ رجّح عقله أنها ليست صاحبة الذكرى، وأكدت أذنه أنها أغنيتها.
.....
صار لثوان هائما فى إمرأة نسى ملامحها وقد أَنسَته النغمات الزحام ومواعيد عمله، وصار يرجو دوام اللون الأحمر فى إشارته اليومية وعدم توقف الراديو المجاور عن غناء ما أهدته حبيبته معرضة بحبه. كان يستمع لهذه الأغنية دون ملل يوميا طوال شهرين من إهدائها له.
.....
قطع شجنه تحرك السيارات من جانبه بعد تحول الإشارة إلى اللون الأخضر قبل إنتهاء الأغنية. إنحرف يمينا بحدة ليتخطى التاكسى الذى أمامه ويكمل الأغنية مما أثار صاحبة السيارة لتزيد من سرعتها فى محاولة للهرب من ملاحقته. كرر الإنحراف يمينا مرة أخرى ليلحق بها وسط الزحام؛ لكن هذه المرة لم تواتيه عجلة القيادة ليستطدم بتاكسى أمامه نزل صاحبه ثائرا بعد أن بدأ وابل من السباب بدا يحفظه عن ظهر قلب.
.....
غادر سيارته متجاهلا سائق التاكسى متابعا بشغف السيارة الهاربة بذكرياته وقد بدأ نغمات الأغنية المنبعثة منها يتلاشى ويحل محلها أغنية "حجرين ع الشيشة" المنبعثة من التاكسى المصدوم من الخلف.
.....
هدأ سائق التاكسى تدريجيا بعد أم تأكد من خلو سيارته القديمة من أى إصابات مكلفة وعاد كل منهما إلى سيارته منتظرا مرة أخرى أن تعطى الإشارة ضوئها الأخضر لإستكمال الطريق إلى الجحيم.
.....
طول طريقه للعمل فشل أن يتذكر نغم الأغنية أو شطر من أبياتها كأنه يوما لم يستمع إليها عشر مرات فى اليوم الواحد، فشل تماما، وزاد الأمر سوأ أن أغنية "حجرين ع الشيشة" ظلت تلح عليه طول الطريق وكأن سائق التاكسى يطارده.
.....
.....
عمرو عشماوى
26-05-2010

No comments: