Friday, December 28, 2007

ملل باهظ الثمن


شكوتُ لها من مللى المعتادُ
فقالت: إما أن تشترى سيارةً
أو تخطبُ فتاةً من هذهِ البلاد
.....................
همهمتُ: يا له من جوابٍ لعين
فى طَيهِ سؤالٌ عن المالِ والحالِ مُبين
...................
ارتسمت على شفتى ابتسامةٌ
ظننتها انتقلت عبر اسلاك الهواتف
ومضت لحظةُ صمتٍ ثم قُلت مستأنفا
يا هذهِ .. يالأفكارِكَ المُكَلِفة
..................
أنقطع الإتصال فجأة!
تحولت البسمة إلى قهقهة مدوية.
.....................
عمرو عشماوى (28-12-2007)
...................
ملاحظة: الفكرة مستوحاه من موقفٍ لصديقٍ عزيز

Thursday, November 8, 2007

رجاله هفيه وستات قوية

د. أيمن محمد الجندي : بتاريخ 6 - 8 - 2007


أيها الرجل المسكين ..البائس الحزين ..المغبون في صفقة الزواج ..كم أرثي لك !! أيتها المرأة الظافرة ..القوية القاهرة ..الفائزة في صفقة الزواج .. ألف مبروك لك ..لقد حصلت على كل شيء ..لا تنكري كعادتك فالزواج أربح صفقة في حياتك كلها. إنها صفقة العمر يا عزيزتي .. وهذا هو الدليل :

1- الأمومة فطرة أصيلة في كيان المرأة تتدرب عليها بالفطرة منذ طفولتها المبكرة فتراها تدلل عرائسها وتلعب لهن دور الأم الحنون التي تعنى بصغارها، بينما يلهو الصبي الأحمق بمسدسات بلاستيكية وطائرات ورقية وعربات مدرعة من علب الكبريت ويصدق أنه قائد ظافر ويستغرقه حلم أنه سوف يحكم العالم عن قريب لتنجلي أوهامه الحمقاء ذات يوم فيجد نفسه خاضعا لامرأة تحكمه، تخضعه بالأنوثة، فإن لم يكن بالأنوثة فبالأطفال، فإن لم يخضع لكليهما فهناك سلاح المرأة الأزلي الذي لا يخيب أبدا: النكد.! وتثبت الأيام حكمة المرأة وبعد نظرها فتراها تحصد بالزواج أول وأعظم جوائزها: أطفالها، لكن الأمر مختلف بالنسبة للرجل. إنه يحب أطفاله حينما يولدون ويتعود على وجودهم في حياته، أما قبل ذلك فلا توجد لديه أي مشكلة من أي نوع إلا حينما يبدأ المجتمع في التدخل، فيهمس هذا في أذنيه: لماذا لم تتزوج بعد؟ ويسأله هذا في دهاء: متى ستنجب أطفالا؟ وآخر يتظاهر بالإشفاق عليه: احذر.. ستندم في شيخوختك وقت لا ينفع الندم، إلى آخر هذا الهراء المحفوظ الذي يجعله يكره نفسه ويقرر الزواج فقط لكي لا يسمع تلك الجملة الخالدة: لماذا لم تتزوج؟. وفيما بعد يتبين له وراء هذا الإلحاح المتعمد دوافع عديدة ليست نبيلة، دوافع ليس أقلها حقد الرجال المتزوجين على العزاب الأوغاد الذين أفلتوا من نفس المصير، وهناك أيضا لهفة النساء على ضم عبد جديد لقبيلة النساء كخدمة مجانية متبادلة يقمن بها بعضهن لبعض.

2- ثاني جوائز الزواج بالنسبة للمرأة أنها تجد -بضربة حظ- عبدا مجانيا يعمل من أجلها بحيث تركن هي للتقاعد المريح باقي الحياة، فيقوم هذا العبد بالأعمال القذرة بدلا منها، ولماذا تشغل نفسها بإصلاح الأشياء التالفة؟ ما نفع الزوج إذن؟. يعود المسكين ليلا من عمله وكل أحلامه بعد ضجيج النهار ووجع الدماغ تنحصر في حمام دافئ وعشاء سريع ثم ذلك الوضع الأفقي المريح حتى الصباح، لكن هذه الأحلام الصغيرة لا تتحقق أبدا؛ فالزوجة الحازمة مثل أي دكتاتور قاس لا تقبل بأقل من الطاعة المطلقة. فتارة ترسله إلى الأسواق لشراء أشياء تافهة لا حاجة بها إليها، ومرات تتعلل بالملل ورغبتها في التغيير دون مراعاة لاستنزاف طاقته الحيوية عبر اليوم، وإذا لم يذعن لها ففي جعبتها الكثير جدا مما لا يستطيع أن يرفضه. إنها تعاني فجأة -آي.. آي.. آي- من آلام مفاجئة بالبطن وعلى زوجها العزيز المسئول عنها أن يحملها إلى المستشفى ويتشاجر هناك مع الأطباء وإلا فستفضحه في كل مكان أنه -الوغد الأثيم- تركها -المسكينة- تتلوى من فرط الألم، ويحملق بعينيه فيها مرتابا وواثقا في أعماق نفسه أنها تكذب فقط لإزعاجه. ولكن هل بوسعه سوى ارتداء ملابسه وهو "يبرطم"؟ ويذهب معها إلى المستشفى ويتشاجر مع الأطباء دون أن تفلح هي في مداراة مشاعر الابتهاج الواضح على وجهها لانتصارها السريع.. وفي الأسواق يحمل الأشياء الثقيلة دون أن يجرؤ على الاعتراض فهو الرجل القوي ذو العضلات، أما هي فالحمامة الوديعة سليلة الأميرات الناعمات اللاتي يتألمن من حبة بازلاء تحت المرتبة العاشرة في المخدع الوردي، لا أعرف لماذا لا تظهر تلك الوداعة المزعومة إلا حينما يتعلق الأمر بالمغرم ولكن حينما تتسوق لنفسها ملابس أو أحذية يدب في أوصالها نشاط المصارعين وترحب بالمشي المتواصل ساعات طويلة دون أدنى شكوى من الإرهاق الذي لا يظهر إلا وقت حمل المشتريات التي دفع ثمنها الرجل بعقد إذعان مجهول السبب.

3- نأتي للنقطة الثالثة وهي أن المرأة تجد مملكة خاصة بها بعد أن كانت فردا عاديا في الأسرة، بينما أي رجل عاقل لا يتردد في اعتبار بيت أمه جنة الله في الأرض بحنانها الفطري العظيم، حنانها المبذول من دون ثمن، سيقارن في ذهنه بين أمه وزوجته وسيتساءل عن سر التباين بين المرأة أمًّا وزوجة. مطلوب منه أيضا ألا يعلن أفكاره تلك أبدا وإلا فالويل له، سيدفع ثمنا غاليا لو أبدى بعض الحنين إلى الأيام الخوالي، أيام العز التي لا تعوض، والتي كان -كأي أحمق- لا يعرف قيمتها وقتها.

4- رابعا تجد المرأة بضربة حظ من ينفق عليها وعلى أولادها إلى الأبد. بل ويقوم بتمويل كل نزواتها. إن رأيي الشخصي أن هناك نمطين يجب الاختيار بينهما: النمط الإسلامي الذي أوجب النفقة على الرجل كجزء من منظومة عامة تقتصر فيها المرأة على خدمة الرجل والبقاء في منزله وعدم الخروج إلا بإذنه، وطاعته طاعة مطلقة. وهناك النمط الغربي الذي يقوم على الندية في الواجبات والحقوق، ولكن المرأة تريد أن تأخذ من الشريعة الغراء الحقوق الكاملة ومن منظومة الغرب الندية والمساواة الكاملة؛ فباسم الشريعة الغراء على الرجل أن ينفق عليها بالكامل، وباسم حقوق الإنسان على الرجل أن يمنحها الندية الكاملة.

5- تعتمد المرأة بالسليقة المذهب النفعي.. ومن حسن طالعها أن المرأة لا تتزوج بامرأة وإلا لانتحرت في ليلة الزفاف، إنها تعرف بالفطرة أن أنوثتها هي رأس مالها الوحيد وهي تعتمد على تلك الأنوثة من أجل الحصول على منافع جمة رغم أن المتعة متبادلة في العلاقة الخاصة بينهما. وبنظرة واحدة إلى مواقع الزواج تجد طلبا مكررا في كل المواصفات التي تحلم بها النساء: أن يكون غنيا كريما. باختصار تطلب المرأة كل شيء دون أن تعطي شيئا، وتتساءل معي: لماذا؟ والإجابة الوحيدة أنها من فرط حبها لنفسها تنتظر من الآخرين أن يكرسوا حياتهم من أجلها.

6- وكدليل لا يدحض على صواب رأيي قارنوا بين حال الرجل العزب والمرأة العزب، فينما تشعر هي بالانكسار؛ محاطة بضغط المجتمع ورثاء الأمهات تجد ذات الرجل العازب وكأنه هارون رشيد زمانه: يحقد عليه الرجال الآخرون، وتتبارى الأسر في دعوته للعشاء على أمل أن تستميله إحدى بنات العائلة. وكل ليلة يدعى إلى أشهى الأطباق والموائد الحافلة محاطا بالتدليل وثناء الأمهات وتملق الآباء، كل آرائه تفيض حكمة وكل فكاهاته مضحكة جدا، ورئيسه في العمل يحقد عليه من أجل عبقريته الفذة.. وتبذل الوعود بسخاء فيما يذكرك بالحملات الانتخابية، وعود كلنا نعرف أنها لن تتحقق أبدا؛ فهي مجرد طقوس مرحلة معينة حينما يتم تجاوزها يصبح التذكير بها نوعا من الحمق، سيكف الكل عن الضحك لفكاهاته فجأة بعد أن يكتشفوا كم هي سخيفة ومكررة. وسيقابل حيثما ذهب بالعبوس ونفاد الصبر.. وسيعرف طريق المطاعم بعد الزواج.

والسؤال المهم إذن: لماذا يقبل الرجل بهذا الغبن؟ لماذا يتزوج ما دامت الخسارة تلاحقه؟ إنه الحمق طبعا، يخيل لكل رجل أن مصيره سيكون أفضل من مصير سابقيه، وهناك النسيان أيضا، ولو تذكر حال أبيه الكادح المغلوب على أمره لما تفاءل كثيرا، ومع الحمق والنسيان توجد أيضا الفطرة، هذه الهرمونات اللعينة المقلقة!. وإني لأعجب حقا من تلك الأقاويل التي تتهم الأديان بمحاباة الرجل؛ فاعتقادي أنها جاملت المرأة جدا، فلولا تحريم العلاقات غير الشرعية لما وجد الرجل مبررا لربط وجوده بامرأة.

الرجل المسكين يريد كوبا من اللبن ولكنه يضطر لشراء البقرة بأكملها من أجل ذلك الكوب من اللبن، ويشتهي قطعة من الجبن الرومي فلا يجد سبيلا سوى دعوة البقال إلى مشاركته الحياة للأبد. وبعد ذلك ربما يتبين له أن رائحة الجبن الرومي أجمل من طعمها، وحتى لو كانت لذيذة الطعم شهية المذاق فهي لا تستحق كل هذه التضحيات الجسيمة، كل هذا النكد.. العودة للطريق في منتصف الليالي وأنت متعب.. التشاجر مع الأطباء قبل انبلاج الفجر من أجل مرض مصطنع. لا تستحق أن تتحول إلى كيس الرمل لتدريب الملاكمين. وبالتأكيد لا تستحق أن تجعل البقال ينام جوارك على السرير إلى الأبد.

والخلاصة أن الرجال ملائكة والنساء شريرات ، نعم أنا مصر على إعلان رأيي هذا فأنا رجل عنيف شديد المراس قوي الشخصية ....وسوف أقود تمردا شرسا لمعشر الرجال فلن نستعبد بعد اليوم ..وإنني ...!.يا للهول !!..ماذا أسمع ؟..خطوات تقترب وزمجرة غاضبة ..إنها قادمة ، الوداع ، سأهرب فورا ..

http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=36977

Wednesday, August 8, 2007

رجل فقد عقله

رجل فقد عقله هو أسم فيلم بطولة فريد شوقى وعادل إمام وسهير رمزى وإكرامى حارس مرمى النادى الأهلى السابق وفيه يمثل عادل إمام دور لاعب فى النادى الأهلى وبالطبع إكرامى هو حارس مرمى الفريق. الفيلم واحد من الأفلام الشهيرة وهو من الأفلام المفضلة لدى. ولكن كل مرة أشاهد فيها هذا الفيلم ينتابنى شعور غريب. ففى آخر الفيلم تحتجز سهير رمزى "الكابتن زيكو" عادل إمام فى الشقة وتلقى بمفتاح الباب فى الشارع وبهذا تمنع "الكابتن زيكو" من لعب مباراة الزمالك التى تحدد بطل الدورى العام وبالفعل تبدأ المباراة ويحرز الزمالك هدفين فى الشوط الأول وبهذا يقترب من الفوز بالدورى.

الغريب أننى فى كل مرة أشاهد فيها هذا الفيلم ،وبرغم أنى أعرف نهايته، أتمنى أن يظل "الكابتن زيكو" محتجزا وينتهى الفيلم بفوز الزمالك على الأهلى. ولكن المؤسف أنه فى كل مرة يتمكن فريد شوقى بمساعدة الشرطة فى تحرير "الكابتن زيكو" الذى يحمله الجمهور على الأعناق وهو يهتف "أنا ركبى حديد ... والأهلى حديد" ويلعب زيكو الشوط الثانى ويغير النتيجة لصالح الأهلى الذى يفوز بالمباراة وبالدورى.

شاهدت الفيلم قريبا وتذكرت مباراة الأهلى والزمالك الأخيرة فى نهائى كأس مصر 2007 التى كنت أشاهدها وأتمنى أن يفوز الزمالك بالمباراة ويعود مرة أخرى للبطولات. وبالرغم أن الزمالك كان متقدما فى معظم المباراة إلا أنى لم أكن متفائلا وكأنما اصبح فوز الأهلى هو واقع وإن أختلف سيناريو المباراة. بل إن جمهور الأهلى نفسه ،رغم تقدم الزمالك بهدفين لهدف وإقتراب الوقت من الدقيقة 87، كان يبدو وكأنما واثق من النصر.

وبالفعل قبل نهاية المباراة بثلاث دقائق يسجل أبو تريكة هدف التعادل لتمتد المباراة لوقت إضافى يحسم فيها الأهلى المباراة لصالحه 4-3 ويكون بهذه النتيجة هو بطل كأس مصر.

فى نهاية الفيلم خطر سؤال ببالى، "هل يفرح جمهور الأهلى فى كل مرة يشاهدون فيها الفيلم بالفوز بالدورى؟".

كنت أتمنى أن يفوز الزمالك ولكن من الوضح أنه غير مسموح بالتدخل فى "النص" من قبل جمهور الزمالك وأدركت أنى بتوقع خسارة الأهلى كنت هو .. من فقد عقله.

عمرو عشماوى 2007-08-05

Sunday, July 1, 2007

قم للمعلم


"مدرستى جميلة .. نظيفة .. متطورة .. منتجة"، "قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا" عبارتان شهيرتان تقع عليهما عيناك إذا ما أقتربت من أسوار إحدى المدارس المصرية أو طفت فى فنائها أو تفقدت فصولها. وقعت عليهما عيناى حين مررت على مدرستى الإعدادية وتسائلت هل كانتا موجودتين حين إلتحقت بالمدرسة ام لا، لم أستطع أن أتذكر ولكن بالتأكيد كلمة "منتجة" المضافة حديثا لم يكن لها وجود آن ذاك. ليست العبارتان فقط ما لم استطع ان أتذكر وجودهما فى المدرسة ولكن الكثير من الأشياء و الأحداث والأشخاص.

ولكن أكثر ما تذكرت كان فى السنة الأولى من إلتحاقى بالمدرسة. ليس لأنها إنتقال إلى مرحلة جديدة أو لأنها السنة الأولى فى سلسلة من الأحداث المثيرة والمفيدة فى مدرستى الجميلة النظيفة المتطورة فلم تكن مرحلة جديدة ولا أتذكر إن كانت المدرسة جميلة أم لا، ولكن ما ميز السنة الأولى هو مجموعة من المعلمين لا أظن أنه من الممكن نسيانهم.

فذاك معلم اللغة العربية أتذكر بشدة جملة شهيرة له كررها كثيرا فى بداية الحصص: "تحبوا نأخذ الدرس .. ولا نتكلم فى الدين؟" طبعا من السهل توقع الإجابة الجماعية! وهنا يفتح المعلم باب الأسئلة التى لم تكن غزيرة فى ذاك الوقت حيث أن كل الطلبة كانوا فى سن لم يتخطوا به مرحلة الطفولة، فيختار المعلم الموضوع ويتكلم فيه وفى معظم الأحيان تكون قصص يدعى أنه عايشها أو رآها يحاول أن يوصل من خلالها فكرة معينة. فى إحدى المرات بدأ الموضوع بسؤال عن أكثر الدول تقدما ,يعنى التقدم العلمى, كانت إجابة الطلاب فى ذاك الوقت أن "أمريكا" هى الأكثر تقدما وهنا يسأل مرة أخرى "لماذا؟" فتبدأ سلسلة من الإجابات الطفولية مثل "أمريكا هى إلى أخترعت الطيارة" وما شابه ولكن أى من الإجابات لم يحظى بإستحسان. وهنا يجيب المعلم عن السؤال بأن "اليابان" هى الأكثر تقدما ويروى دليله أن اليابان تحدّت الولايات المتحدة فى أن "تخرم الشعرة" ,نعم عى شعرة الرأس, فحاولت "أمريكا" بكل تقنياتها أن "تخرم" شعرة رأس ولكنها لم تنجح وهنا يأتى دور اليابان فى المحاولة فأتوا "بأدق آلة تستخدم فى إصلاح الساعات" و... "خرموا الشعرة"، نجح اليابانيون وأثبتوا تفوقهم العلمى ونجح المعلم فى إثبات أن اليابان هى الأكثر تقدما وهى معلومة قد تكون أهم من درس فى النحو أو القراءة.

أيضا تذكرت معلم مادة العلوم وكان يظن فى نفسه أكثر من مدرس لمادة العلوم للصف الأول الأعدادى وربما تعامل معنا من هذا المنطلق. ذات مرة سأل أحد الطلاب سؤالا فأخطأ الإجابة فبرر المعلم الخطأ بأن الطالب فقط يحفظ الدرس ولا يهتم بالفهم ثم نقل إتهامه إلى جميع طلاب الفصل وبدأ فى إرسال الجمل اليائسة المحبطة "مفيش فايدة" و"هتفضلوا طول عمركوا كدة" وسلسلة من الإحباطات غير المبررة، ثم سكت للحظات ثم توجه إلى نفس الطالب الذى أخطأ إجابة السؤال منذ دقيقة: "قوم يابنى... يعنى أيه زلزال بالإنجليزى؟؟؟". كان سؤال مفاجئا، فقد كان منهج مادة العلوم لهذه السنة الدراسية لا يحتوى على شرح لأى من الكوارث الطبيعية، الأهم من ذلك أن جميع الطلاب فى الفصل يدرسون جميع المواد باللغة العربية، بل إن منهم من يدرس اللغة الإنجليزية للمرة الأولى!. لكن هذا ما حدث "يعنى أيه زلزال بالإنجليزى؟" هذه المرة كان السؤال للجميع، و بالطبع لا مجيب فيشير المعلم للطالب بإشمئزاز لكى يجلس وبدا وكأنه قد نجح فى أم يثبت لنفسه ما ظنه منذ البداية. ثم رفع رأسه وألقى سؤال آخر لكى يقطع الشك باليقين: "يعنى أيه بركان بالإنجليزى؟؟".

كلما تذكرت ذلك الموقف لا أستطيع أن أتوقف عن الضحك، حتى أنى ضحكت بصوت مسموع وأنا أكتبه، لكن لم يكن ذاك هو الحال ساعتها، فأذكر أنى قد شعرت بإحباط شديد حين فشل الجميع فى إجابة السؤال الثانى وأخذت ألوم نفسى ولكن لا أعرف على أى شئ ألقى ملامتى!! كيف لا أعرف معانى الكوارث الطبيعية باللغة الإنجليزية وأنا أدرس القواقع البحرية باللغة العربية فى مادة العلوم فى الصف الأول الإعدادى؟؟؟!!!!.

لا أستطيع أن أنكر أن هناك الكثير من المعلمين المحترمين الأسوياء قد درسوا لى وقد راعوا الله فى عملهم وفى تلامذتهم، حتى لا أنكر الدور الهام الذى قد لعبه بعض المعلمين ومنهم من ذكرتهم آنفا فى إعداد مواطن يستطيع أن يعيش على أرض هذا الوطن وفى ظل نظامه. فإذا كان ثقب فى شعرة الرأس هو دليل للتقدم التكنولوجى فإن حفر قناة فى الصحراء بالقرب من الوادى الجديد لتكون هى الأمل فى التطور الزراعى والصناعى وحل جميع الأزمات يبدو حلا عبقريا، وكما نجح المعلم فى أن يجعل طلاب فصل بأكمله يلقوا اللوم عى أنفسهم لسبب لا يجدوا له تفسير أو حل فقد ينجح الساسة فى جعل الشعب بأكمله أن يلقى اللوم على نفسه لأنه "كتير" ويزيد يوما بعد يوم و"هنأكلكم منيين؟" وفى الأخير على ماذا نلوم أنفسنا؟؟!! "عيب بقى.".

ربما لذلك السبب لم يستثنى أحمد شوقى من شعره الخالد أيا من المعلمين، فجميعهم يستحق التبجيل وكل منهم يعتبر رسولا.. لكن ربما كان منهم رسلا يدعون بدعوة خالفت ما ظنه أمير الشعراء.



عمرو عشماوى 2007-06-30

Monday, June 11, 2007

لأننا نتقن الصمت ..!

لأكثر من مرة أجد مناقشة أو جدال أو إستفتاء عن فرض رقابة على المدونات. ويبدأ كل من طرفى النقاش فى سرد وجهة نظره مستفيضا فى تحليل الموقف وإستعراض الإيجابيات والسلبيات. وفى كل مرة أشاهد أو أقرأ عن هذا الموضوع أتسائل كيف تتم الرقابة على المدونات؟ وعلى أى أساس سوف يتم السماح لمدونة بالظهور إلى النور أو وأدها فى التراب؟.

هل سيتم إختراع شمع أحمر إلكترونى لإغلاق أى مدونة خارجة؟. ,خارجة عن ماذا, أم سوف يتم إعتقال صاحب المدونة نفسه؟ وكيف يمكن أن نعرف صاحب المدونة؟ وكم عدد المدونات المجودة حاليا؟ وكم عدد المواقع التى تسمح للمستخدمين بإنشاء مدونة جديدة؟. الكثير من الأسئلة التى يتجاهلها أى نقاش ولكن السؤال الأهم هو لماذا الآن هذه الضجة؟ فمواقع المدونات موجودة منذ أكثر من خمس سنوات!!. ما الذى طرأ على المدونات؟

يعزى البعض السبب إلى إشتهار بعض المدونات التى تضم طياتها بعض الأراء السياسية وربما تجاوزت بعض هذه المدونات الأدب وربما تجاوز البعض حاجز "قلة الأدب" إلى أبعد منه قليلا, ولكن فى الأخير لاتزال المدونة عبارة عن موقع على شبكة الإنترنت - التى تحتوى بطبيعة الحال على ملايين المواقع المخالفة فى جميع المجالات - لا تمثل حزبا ولا حتى يمكن أن يعتد بها كمصدر رسمى للأخبار أو الأراء. فيمكننا أن نعتبرالمدونة كالكلام. هل هناك رقابة على الكلام؟ بل ربما أن الكلام أكثر توثيقا من المدونة إذ أنك تسمع المتحدث وتراه ويمكنك تحديد هويته.

بإختصار ربما تعبر المدونات كالكلام الذى يتداوله الناس ولكن فى حالة المدونة كلام من طرف واحد ومن حق المتلقى أن يوقف هذا الكلام فى لحظة فقط يغلق متصفح الإنترنت وتنتهى المشكلة. حتى أظن أنه ليس من العدل أن نقارن المدونات بالكلام.

لكن ربما أن من أراد فرض الرقابة على المدونات محق تماما فقد عزف الناس تماما عن المشاركة السياسية مهما كانت صورها، لا أحد يستجيب للمشاركة فى أى إنتخابات، أى إستفتاءات وحين يزوّر الإستفتاء على مرأى ومسمع من الناس لا إعتراض لا إستنكار، فقط صمت تام .. صمت ربما يصاحبه "حرقة دم" نعتاد عليها مع تكرار الإنتخابات والتعديلات الدستورية، "حرقة دم" قد لا تستطيع تدوينها بعد فرض الرقابة على المدونات وربما مع مرور الوقت قد لا تستطيع التفكير فيما "يحرق دمك" بشكل غير لائق أو بشكل تتعدى فيه الحدود فقط تفكر يشكل حضارى ولا تتدخل فيما لا يخصك فربما يكون هناك رقابة على الكلام الذى تتحدث به إلى نفسك.

قد تمنع المدونات ليست لأنها مخالفة للقانون لكن لإننا تعودنا الصمت بل إننا أتقناه، فكما تقول "غادة السمان" لأننا نتقن الصمت .. حمّلونا وزر النوايا

عمرو عشماوى 11-06-2007

Thursday, March 8, 2007

طروادة هوميروس .. عمورية أبى تمام

منذ فترة ليست بالبعيدة شاهدت فيلما تسجيليا عن اكتشاف مدينة طروادة الأسطورية, فقد نجح فريق من الباحثين فى إكتشاف مدينة طروادة بأسوارها و أبراجها العملاقة مندثرة فى شمال تركيا. كان إكتشافا هائلا أثبت صحة ما روى الشاعر الأغريقى الأشهر "هوميروس" فى "الإلياذة" بعدما عُمِلَت هذه الرواية معاملة الأساطير.

تبدأ القصة فى مدينة "أسبرطة" الإغريقية حيث بحث "مينالاس" ملك أسبرطة عن زوجة شرعية له تكون ملكة على واحدة من أعظم المدن الأغريقية حتى وجد ضالته, "هيلين" التى روت الإشاعات عنها فى ذلك الوقت أنها بنت "جوبيتور" معبود الأغريق, لكن ما كان أكيدا أن "هيلين" كانت أجمل نساء الكون, وقد أبدع هوميروس فى وصف "هيلين" وسحرها وجاذبيتها التى لا تقاوم. فى الأخير تزوج "مينالاس" "هيلين" فى حفل أسطورى دُعى فيه الملوك من مختلف البلاد, وكان من ضمن المدعوين "باربس" أمير "طروادة" الذى وقع حب "هيلين" فى قلبه من النظرة الأولى.

أنقضى الحفل وعاد كل إلى بلده لكن "باربس" لم يسلى حبه ولم يهنئ له بال فى بعده عن الملكة الفاتنة. فى هذه الأثناء عاشت هيلين محاطة بالعناية الفائقة من زوجها المحب الذى شغلته زوجته الفاتنة عن آلاف الجوارى الائى أولع بحبهن فيما سبق. عاش "مينالاس" أسعد أيامه مع "هيلين" إلى أن نفذ صبر "باربس" و تسلل إلى أسبرطة وأنتزع سعادة "مينالاس" وخطف "هيلين" و أبحر بها عائدا إلى طروادة و قد أعلن أجمل نساء الكون زوجة له وسكنا فى أعظم قصور طروادة.

جن جنون "مينالاس" ووسط معارضة من أمراء أسبرطة حشد جيش أسطورى قاده بنفسه. حمل هذا الجيش فى ألف سفينة حربية أبحرت من اليونان متجهة نحو شمال تركيا لغزو طروادة وإستعادة الملكة الفاتنة "هيلين". ضرب جيش أسبرطة حصارا على طروادة وقد دارت المعارك الضارية بين الجيشين دون نجاح جيش أسبرطة فى إختراق أسوار طروادة المنيعة.

أبدع هوميروس فى نظم شعر يصف هذه المعارك والبطولات المذهلة للجنود والقُواد فى كلا الطرفين وفى وصف هذا الحصار الذى دام لعشرة سنوات كاملة وقد أنتهى الحصار بخدعة الحصان الخشبى الشهيرة التى مكنت الجيش الأسبرطى من إختراق الأسوار وإستعادة الملكة الفاتنة بعد أن دمروا المدينة على بكرة أبيها.

عادت هيلين إلى أسبرطة فى حماية جيش عظيم, جيش قاتل لعشرة سنين من أجل أمرأة, جيش فقد آلاف الشجعان و مئات القُواد المحنكين من أجل "هيلين", ولكن هيلين لم تكن أمرأة عادية, لقد كانت أجمل نساء الدنيا.

مضت قرون و قد أُعتقد أن هذه القصة هى من وحى خيال "هوميروس" إلى أن تم أكتشاف المدينة المندثرة التى يدل موقعها وبقايا الأسوار و الأبراج وبعض المخلفات الأخرى أنها "طروادة هوميروس". وقد كان ملفتا أن من الآثار التى أُستدل بها على أن هذه المدينة هى طروادة عثور المنقبين على "كنز" من المجوهرات الثمينة والأحجار الكريمة والحلى جزم علماء الأثار أن هذه الحلى لا تليق إلا "بأجمل أمرأة فى الدنيا"

وبعد مرور آلاف الأعوام, بالتحديد فى زمن الخلافة العباسية تكررت نفس الأحداث تقريبا وفى نفس المكان؛ تركيا ولكن هذه المرة فى الجنوب. فقد أغار ملك الروم فى عمورية التى تقع فى جنوب تركيا على إحدى مدن الدولة العباسية وعاس فيها فسادا وأسر الكثير من الرجال والنساء وكان من ضمن الأسرى أمرأة عربية مسلمة أسرها جنود عمورية وقد عاملوها بالعنف وساقوها فى الأغلال, هنا صاحت هذه المرأة صيحة أسمعت المعتصم خليفة المسلمين فى العراق وظل صداها باقيا إلى يومنا هذا يضرب بها المثل؛ "وا معتصماه".

بلغ المعتصم ما حدث من ملك عمورية وبلغه إستغاثة الأعرابية فحشد جيشا عظيما تضارب به الناس المثل فى هذا الوقت وقد بعث "المعتصم" للرومى فى رسلة بعثها له أنه آتيه بجيش "أوله عندك وآخره عندى" على حد وصف المعتصم. وقبل خروج المعتصم على رأس هذا الجيش حذره المنجمون أن الطالع ينبئ بخسارة هذه الحرب وأن من الأفضل تأجيل الخروج, ضرب المعتصم بكلام المنجمين عرض الحائط وأصر على نصرة إستغاثة المرأة العربية الأسيرة دون هوادة أو مماطلة.

مائة ألف من أمهر الجنود خرجوا لإستعادة أمرأة ولكن هذه المرة لم تكن أجمل أمرأة فى الدنيا ولربما كانت عجوزاً لا ترجو نكاحا.

كانت عمورية -كطروادة- واحدة من أحصن المدن وكانت قد أستعصت على خلفاء الدولة العباسية سنينا. وصل جيش المعتصم إلى عمورية وضرب عليها حصارا لكن هذه المرة لم يدم الحصار لعشرة أعوام؛ فقط عشرة أيام. عشرة أيام وأخترق المعتصم بالدهاء أسوار عمورية وألحق هزيمة نكراء بملك عمورية و أستعاد الأسرى وعادت الأعرابية فى حراسة جيش المعتصم العظيم, لكن المعتصم لم يدمر المدينة بل عمل على إعمارها والحفاظ على حياة أهلها.

وبقيت عمورية, لم تندثر تحت التراب, ولم يحتاج المؤرخون إلى العثور على كنز لإثبات هذه الرواية ولكن بقيت عمورية نفسها هى الدليل.

كان من ضمن جيش المعتصم العظيم؛ "أبو تمام" واحد من أشهر شعراء زمانه وقد أرخ هذه الموقعة فى "بائيته" الشهيرة التى تعد واحدة من أعظم القصائد فى الشعر العربى والتى يستهلها ساخرا من المنجمين الذين أشاروا عدم الخروج على المعتصم:-

السَّيْـفُ أَصْـدَقُ أَنْبَـاءً مِنَ الكُتُبِ...فِي حَدهِ الحَدُّ بَيْـنَ الجِـد واللَّعِـبِ
بيضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُودُ الصَّحَائِفِ فِي...مُتُونِهـنَّ جـلاءُ الشَّـك والريَـبِ
والعِلْمُ فِي شُهُبِ الأَرْمَـاحِ لاَمِعَـةً...بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافِي السَّبْعَةِ الشُّهُـبِ


و يصف المعركة العظيمة قائلا:-
غادرتَ فيها بهيمَ اللَّيلِ وهوَ ضُحى ً... يَشُلُّهُ وَسْطَهَا صُبْحٌ مِنَ اللَّهَبِ
حتَّى كأنَّ جلابيبَ الدُّجى رغبتْ... عَنْ لَوْنِهَا وكَأَنَّ الشَّمْسَ لَم تَغِبِ


وهكذا حارب "مينالاس" من أجل الحب و حارب "المعتصم" من أجل النخوة والمروءة وأبدع هوميروس فى رواية حرب طروادة فى "الإلياذة" وتفوق أبو تمام – على حد أعتقادى – فى رواية حرب "عمورية" فى "بائيته". ربما ليس من العدل عدم ذكر أبيات هوميروس ولكن لا تحتوى لوحة المفاتيح على الحروف الإغريقية اللازمة للتحلى بالموضوعية.

أما الآن, فيستباح دماء المسلمين وتنتهك أعراض نسائهم وتبث إستغاثاتهم على مرأى ومسمع من الجميع, ولا يحرك أحد ساكنا.
رُبّ وامعتصماه انطلقت...ملأ أفواه الصبايــــــــــــا اليتًّم
قد لامست أسماعهــــــم...لكنها لم تلامس نخوة المعتصم


عمرو عشماوى 08-03-2007

Friday, February 16, 2007

وطنى لو شغلت بالخلد عنه

من أسابيع قليلة ماضية كنت فى طريقى إلى المنزل فى حوالى الثانية عشر بعد منتصف الليل, كنت عائدا من بيت أحد أصدقائى و قد أرتدت أحدى الميكروباصات المتجهة إلى ميدان رمسيس, كان من المفترض أن يوصلنى هذا الميكروباص بالقرب من منزلى لكن شعور ما قادنى إلى عدم النزول بالقرب من المنزل ربما هو الملل أو الرغبة فى كسر جمود الروتين اليومى لم افكر فى السبب فقط نظرت إلى حيث كان المفترض بى أن أنزل و أكملت راكبا و قدد قررت أن أنزل بعد قليل و أعود هذه المسافة مرة أخرى, و لمرة ثانية فوّت عامدا حيث كان المفترض بى أن أنزل!. و قررت أن أنهى طريقى مع نهاية الخط المحدد؛ فى ميدان رمسيس.

كانت الساعة قد وصلت إلى الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل حين وصلت إلى ميدان رمسيس, كانت المرة الأولى التى أذهب فيها إلى الميدان بعد مغادرة تمثال رمسيس الشهير له, لم يترك التمثال فراغا كبيرا كما تخيلت. رغم تأخر الوقت كان المكان ممتلأَ بالحياة، البائعين فى كل مكان الكثير من الناس هنا وهناك وقد بدى أن عواميد الإنارة أوشكت أن تنسى الناس أن الليل قد حل بل و قد مر منتصفه. كنت سعيدا جدا؛ سعيدأَ بكل ما حولى؛ كانت الأنوار قد أضفت جوا رائعا على أشهر الميادين المصرية.

رحت أتجول فى أرجاء الميدان وأراقب الباعة و أشاهد البضائع المختلفة، كان باعة الجرائد هم الأكثر تواجدا وقد بدى التطور على هذه المهنة فلم يقتصر الأمر على الجرائد والمجلات بل قد تواجد الكثير من الكتب والأسطوانات المدمجة, رحت أتأمل الكتب الموجودة؛ "كيف تختار شريك حياتك" و"طب الأعشاب" و"فنون القتال" كتب معظمها سطحى بالأضافة إلى بعض الكتب الدينية الشهيرة أو المثيرة ولكن كانت الأسطوانات هى الأكثر إثارة كانت معظمها لأفلام عربية أو أجنبية لم أسمع عنها من قبل و قد لفت نظرى فيلم اسمه "خطيئة أمرأة" وبطلته ممثلة غير مصرية تدعى "إغراء" لكم أن تتخيلوا البوستر (خطيئة أمرأة بطولة إغراء) و هكذا فمعظم الأفلام على هذه الشاكلة. غادرت وقد أرتسمت إبتسامة بلهاء على شفتى مستمتعا بما رأيت ولم يؤرقنى هذا التناقض الواضح فالأفلام المثيرة تعرض جنبا إلى جنب مع الكتب الدينية وكأنما يعكس هذا المشهد حال معظم أبناء هذا البلد المتدينين بشكل فطرى ويولون إهتمام خاص بفروع الدين ومتناقضته متجاهلين بعض الأصول وفى نفس الوقت تجد إهتمام مماثل للمواضيع المثيرة أو الجنسية.

كنت مستغربا من نفسى ومن حالة الإنتشاء الغريبة التى أشعر بها كنت سعيدا بكل ما أرى مبتسما لساعة كاملة أتابع كل ما يدور حولى برضى لا تؤرقنى التناقضات الجلية ولم أكن مستاء من الزحام كعادتى. كل شئ كان يروقنى هذه الليلة. للحظة فكرت فى ما يجرى وقد قلت فى نفسى كأنى قريبا أسافر .. أو أموت.

تذكرت بيت من الشعر قد نظمه أحمد شوقى على ما أظن:
وطنى لو شغلت بالخلد عنه *** لراودتنى إليه فى الخلد نفسى

فى هذه الحظة أدركت أن أحمد شوقى لم يكن مبالغا كما ظننت. فلربما راودتنى نفسى - إن حظيت بالخلد والنعيم - إلى ساعة كتلك؛ ساعة أحب فيها كل ما حولى بغض النظرعن إن كا خطأ أو صواب؛ أحبه فقط لأنه على أرض وطنى, نعم ربما تراودنى نفس إلى مكان أحبه لا لجماله ونظامه وإنما لإنتمائى إليه.

منذ أيام كنت أتحدث مع صديق لى يعمل فى المملكة العربية السعودية منذ ما يقرب من أربعة أشهر، وبعد السؤال عن الحال و ماشابه أخبرنى أنه يفتقد بشدة الجلوس على المقاهى و قد تعجب من خلو المملكة العربية السعودية من المقاهى. لم أعلق على كلامه فى المرة الأولى فقد كنت أقدر مشاعره تماما و لم استغرب حين تذكرت أنه كان يتذمر ويمل من كثرة ارتياد المقهى المجاور لنا, وأستطرد فى الكلام وقال أنه أحيانا يتمنى أن يشرب المياه الغازية فى عبوتها الزجاجية المعهودة من الكشك فأيضا لا توجد أكشاك فى المملكة, هذه المرة لم أكتفى بالسكوت لكن لم أملك إلا أن أقول "إبقى اشرب كانز يا عبد الرحيم" كان من الأفضل التطرق لموضوع آخر فقد تكون نهاية هذا الكلام غير محمودة, فيكفى أن تراوده نفسه إلى وطنه ولكن ليس من المفترض أن يعود قريبا.

لطالما كنت رافضا لفكرة السفر وتمنيت أن لا أغادر بلدى أبدا ولكن لم يكن الأمر سهلا كما ظننت. فعندما عرض على العمل بالخارج وعلمت بالعائد المادى الكبير طمعت بالخلد. تعبت من التفكير فى الأمر ولم يكن هناك متسع من الوقت للتفكير. كان الجميع ينصحنى بالسفر ومغادرة البلاد ساعتها تذكرت بيتين من الشعر كانا يزيدا من حيرتى كلما فكرت فيهما:
الكحل نوعُ من الأحجار منطرحا *** فى أرضه كالثرى ملقى على الطرق
لما تغرب نال العز أجمعه *** وصار يحمل بين الجفن والحدق


بعد أن استخرت الله آثرت البقاء فى بلدى؛ آثرت أن أظل منطرحا فى أرضى كالثرى أرتاد المقاهى وأشرب المياه الغاذية من الأكشاك, أتجول فى ميادينه وأعيش تناقضاته ومشاكله؛ فضلت أن أظل ملقى على الطرق فى بلدى على أن أحمل بين الجفون فى بلد غريب.

عمرو عشماوى 15-02-2007

Tuesday, January 30, 2007

شهرزاد.. والكلام غير المباح!


دائما ما كنت أتصور أن القنوات الفضائية المخصصة للأغانى المصورة هى أكثر القنوات مخالفة للعرف والشرع. وعادة ما كنت أشفق عن أصحاب هذه القنوات الذين قد خصصوا ثرواتهم لعرض الأغانى المصورة العارية التى لا يختلف أحد –حتى بعض الملحنين أو الشعراء الذين ساهموا فى كتابة بعض منها- على عدم شرعيتها و على تأثيرها السئ فى الفرد و المجتمع ناهيك عن عرض الأغانى المصورة المحترمة (مش عارية أوى).

كان لاشك عندى أن هذه القنوات هى أسوأ القنوات العربية حتى قادنى الملل إلى تصفح بعض القنوات الغير معروفة الموجودة على جهاز الإستقبال وقد لفت نظرى قناة اسمها شهرذاد. استوقفنى هذا الإسم وتوقعت أنها قناة لعرض الحكايات للأطفال (حواديت) ولكن كم كنت مخطئا.

بدت للوهلة الأولى أنها قناة من قنوات الأغانى المصورة الكثيرة ولكن لم يمضى وقت طويلا حتى بدأت شهرزاد بالكلام غير المباح.

بدأت حلقة من برنامج اسمه "عندما يدور القمر" كان الأسم ملفت جدا لكنه لم يكن الأغرب فى هذه الليلة. كانت مقدمة البرنامج (المذيعة) أمرأة فى منتصف الثلاثينات ترتدى الحجاب وعدة خواتم ذهبية كبيرة فى كلتا يديها. كان جليا أنها لم تكن تهتم لقوامها مثل زميلاتها. بدأت الحلقة و قدمت ضيفها المنجم المشهور أبو على. أبو على هو منجم عراقى فى العقد الرابع أو الخامس من العمر يدعى أنه قد أُتى من علم التنجيم ما لم يأته أحد من الدجالين اللآخرين الذين يحتالون على الناس ويعللون جهلهم بإدعاء السحر و المس على حد قوله!. و كانت من كلماته التى أستوقفتنى أثناء نقاشه مع مقدمة البرنامج "أنا أرى ما لا ترون" (أنا أفتكرته قصده أنه شايف المخرج و المصورين لكن ماكانش ده قصده). و طبعا تطرق الموضوع إلى الأحجبة ورش الملح وما شابه ثم بدأ أبو على فى تلقى الإتصالات الهاتفية وها قد بدأ الجزء الأكثر إثارة فى هذه الحلقة.

يبدأ المتصل بالتحدث إلى مقدمة البرنامج ويسلم عليها وعلى أبو على ثم تطلب مقدمة البرنامج من المتصل أن يذكر اسمه بالأضافة إلى اسم أمه وهنا يبدأ دور أبو على يقوم بتسجيل الاسم ويصمت لمدة نصف دقيقة متظاهرا بكتابة بعض الأشياء ثم يسأل المتصل "(عن شو حابب تعرف؟)" و هنا يبدأ المتصل فى سرد مشكلته فمثلا تقول متصلة أنا كنت على علاقة بشاب و ... هنا يقاطعها أبو على بنبرة صوت واثقة "(ما تحكيش أنا عارف كل حاجة... أنا استنطق القرين)" فتصمت الفتاة و هنا يبدأ أبو على بأخبارها بتفاصيل ما يعرفه "(هذا الشاب ليس جادا ولا يحبك ولا امل لكما معا)". و هذا طبيعى جدا (ماهو الشاب ده لو كان نص كويس ما كانتش كلمتك أصلا).

وعلى هذا المنوال تدور الإتصالات من يسأل عن الصحة فهو مريض ومن يسأل عن الرزق فهو مضيق عليه ثم يختم أبو على بوصف العلاج فمثلا حينا يقول ("أقرأ آية الكرسى 77 مرة و سورة الإنسان مرتين يوميا بعد المغرب لمدة سبع أيام ") و حينا أخرى يقول ("اكتب على ورقة فرعون لعين .. نمرود لعين .. هامان لعين .. إلى يوم الدين. ثم اخلع ملابسك وقم بحرق هذه الورقة و ارقِ نفسك بها بشكل دائرى ثم قم بالأستحمام. كرر هذه العملية لمدة شهر و سوف يوسع لك فى الرزق") طبعا يشكر المتصل أبو على وكأنما أبو على كتب له شيك.

ومن الملفت أن أبو على يبالغ فى إجلال المتصل فإن كانت سيدة لا ينادبها إلا "بمولاتى" و إن كان رجلا فيناديه ب"سيدى" أو "خادمك" و حين يطلب المتصل طلبا من أبو على كأن يجد له حلا لمشكلته نجد أبو على يرد بسرعة "خادم أصيل"!! ما كل هذا التبجيل؟!! لكن فسرت هذا الأمر أن من عاشر قوما تطبع بطبعهم, طبعا أبو على يعاشر الجن و العفاريت وكما هو معلوم للجميع أن العفاريت (مؤدبة) جدا ولا تخاطب الإنس إلا "سيدى" و "شبيك لبيك".

و تستمر الحلقة و أبو على يفاجئك بأنه يعرف كل مشاكلك دون أن تتكلم وبمقدوره أن يصلح لك الحال. و بين الإتصالات تذّكر المذيعة الناس بقدرات أبو على وتبدى أنبهارها به و بعلمه بل فى إحدى الحلقات تقول ("أبو على.. لازم تعملّى حجاب")!! طبعا أبو على جاهز "خادم أصيل". (حتى المذيعة).

تنتهى الحلقة و تستأنف القناة سلسلة من الأغانى المصورة إياها حتى تأتى السهرة. السهرة تكون مع برنامج المسابقات الرهيب البرنامج عبارة سؤال مكتوب فى نصف الشاشة و النصف الآخر تقف فيه مقدمة البرنامج و هى فى الأغلب ليست (مذيعة) ولكن ممكن أن تكون واحدة كانت ترقص منذ دقائق فى أحد الأغانى العارية وقد جائت لتقديم البرنامج (بلبس الشغل).

تبدأ (الحلوة) بشرح قواعد اللعبة وهى أن تتصل فيرد عليك الكمبيوتر يسجل رقمك و يخصم من رصيدك ثمن المكالمة ثم يقوم الكمبيوتر فى وقت لاحق –بعد تلقى آلاف المكالمات- بإختيار رقم عشوائى من أرقام المتصلين و إعطائه الفرصة لكى يجيب عن السؤال (العظيم) فإن كانت الإجابة صحيحة (تربح) معنا 50$ و تلعب على الجائزة الكبرى وهى لعبة إحتمالات تطلب منك تخمين الناتج الصحيح لرمى قطعة معدنية ثمان مرات متتالية طبعا إن نجحت فى تخمين سبع مرات و أخفقت فى الثامنة تأخذ ال 50$ (بس). حاولت تذكر قوانين الإحتمالات لمعرفة نسبة نجاح الفرد فى توقع الناتج الصحيح لرمى قطعة معدنية ثمان مرات متتالية لكن لم أنجح ولم أبذل جهدا فى التذكر ولكن مستحييييل.

بعد شرح القواعد يبدأ تشغيل أغانى بصوت خافت وتبدأ (الحلوة) فى (تحميس) المشاهدين للإتصال وتغنى أو ترقص مع الأغنية ذات الصوت الخافت. يستمر هذا الوضع طوال البرنامج نصف الشاشة للسؤال و النصف الآخر (الحلوة) بتتدلع فيه (معلش ماشوها بتتدلع).

أما السؤال فهو سؤال من نوع ("قاض عادل له كفين و ليس له عينين") أو ("ثلاثة وخمستين وزودنا عليهم اثنين وقدهم مرتين يبقوا كام؟") و طبعا( الحلوة) تقعد تقرأ السؤال 100 مرة و ساعات تمثله كمان. فى إحدى المرات كان السؤال ("ما هو منتهى الحب ومنتهى العجب") و جاء الدور على سعيد الحظ رجل من الخليج وقد ادعى صعوبة السؤال وطلب من الحلوة أنها تساعده فبدأت الحلوة تقرأ السؤال عليه و تتعمد إظهار حرف الباء فى آخر كلا من الكلمتين الحب والعجب. ولكن لا حياة لمن تنادى فى الأخير أستجمع الرجل قواه و أجاب ("منتهى الحب ومنتهى العجب هو..الإحترام")!!! (بقى انت قدامك الحلوة وتقول الإحترام!!! يا راجل حرام علييييييييك).

طبعا بعد هذا البرنامج قمت بتحويل القناة إلى قناة (مزيكا) منتظرا أغنية (نانسى) الجديدة وأنا مرتاح الضمير و أدعو للقائمين على قناة مزيكا بأن يجعل الله هذا العمل فى ميزان حساناتهم!!. فهم (على رأى الشيخ صالح) يدفعون الضرر الأكبر بالضرر الأقل!!!!!!!......ز

طوال اليوم حتى بعد أن يؤذن الديك لا تسكت شهرزاد عن الكلام غير المباح. فهى تقدم الأغانى الخليعة وتنشر الإباحية والعرى من خلال هذه الأغانى كما أنها تقوى إعتقاد الناس فى المنجمين مما يقودهم إلى الشرك بالله و تشجع الناس على السفه والتبذير و إهدار أموالهم والمقامرة عبر برامج المسابقات.ماذا قد تبقى؟! (عارفين أيه إلى ناقص) دعونى أستعير كلمات أحمد عيد فى فيلمه الجديد. ("ناقص إن القناة دى توأد بنات").

عمرو عشماوى (30-01-2007)

Monday, January 29, 2007

لعنة الوضع الوسط !

عن د/ أحمد خالد توفيق

قناة ناشيونال جيوجرافيكس هي أربع وعشرون ساعة من الفن الرفيع الراقي. إنها تريك معجزتين في آن: معجزة الظاهرة الطبيعية، ومعجزة أن ينقل لك إنسان هذه الظاهرة بهذا الجمال . أي انها تريك معجزة تصوير المعجزة !.. من ضمن برامج هذه القناة الأثيرة عندي برنامج اسمه (الذهاب إلى النهايات القصوى Going to extremes).. بطل البرنامج صحفي بريطاني اكتشف في منتصف العمر أنه لم يعش حياته وعلى الأرجح لن يعيشها .. يقول إنه في سن متوسطة، يتقاضى راتبًا متوسطًا، ونجاحه متوسط وبيته متوسط وشكله متوسط .. هكذا قرر أن يطلق العنان لجنونه ويجرب الحد الأقصى من كل شيء : يرتحل إلى أبرد مكان في العالم في سيبيريا وأسخن مكان في العالم في أثيوبيا .. يجرب أكثر البلدان جفافًا وأكثرها رطوبة .. أكثرها ارتفاعًا وأكثرها انخفاضًا .. وهكذا ..
برنامج ذو فكرة ذكية ولا شك، والأهم أنه يجعلك تسترجع حياتك فتدرك انك من المبتلين بالوضع الوسط .. وهذا يجعلك لا تنتمي لأي مكان على الإطلاق .. إن إمساك العصا من منتصفها والرقص على السلم لا يختلفان كثيرًا في الواقع، لكن الأمر يتوقف على براعتك في التعبير وقدرتك على تهذيب الخدعة الكبرى التي تعيشها..
أنا من الطبقة الوسطى التي تجاهد كي لا تنزلق لأسفل وتكافح كي تصعد لأعلى، فلا تكسب إلا تحطيم أظفارها على الغبار الذي يبطن الحفرة .. لست فقيرًا بحيث أحتمل شظف العيش، ولست ثريًا إلى حد يجعلني اطمئن على أطفالي يوم أموت .. في مقال بديع للساخر الراحل محمد عفيفي يقول: "المانجو تسبب مشكلة ضميرية مزمنة للطبقة المتوسطة، لأن الفرد من هذه الطبقة يمكنه شراؤها مهما غلا ثمنها، لكنه يعرف أن زيادة قطع عدد ثمرات المانجو على المائدة يقابله نقص في عدد قطع اللحم على ذات المائدة !".
عندما أمشي في الأزقة والأحياء العشوائية أبدو متأنقًا متغطرسًا أكثر من اللازم، وأثير استفزاز سكان هذه العشوائيات .. بينما عندما أمشي في بيانكي أبدو دخيلاً مريبًا فقيرًا أكثر من اللازم... عندما يقع تهديد على أحد سكان العشوائيات فإنه يصرخ مناديًا (سوكة) و(شيحة) وسرعان ما يبرز له عشرون بلطجيًا يحملون ما تيسر من (سنج) وماء نار وكلاب شرسة .. هذه هي الحماية الحقة.. بينما عندما يشك (عيسوى) بيه في شيء فإن البودي جارد صلع الرءوس ذوي السترات السود الذين يدسون سماعات في آذانهم يبرزون لك ليقولوا إن الباشا يأمرك بالابتعاد عن هذا الشارع .. فمن يحمي ابن الطبقة الوسطى ؟.. لا أحد ..
عندما تتزوج لن تظفر إلا بعروس من الطبقة الوسطى .. لن تظفر بـ (عطيات) حارة العواطف التي تؤمن أن (ضل راجل ولا ضل حيطة) ولن تتزوج (إنجي) التي رأت فيلمي (إيمانويل) و (قصة أو) عشر مرات .. إن عروس الطبقة الوسطى ابنة الأستاذ عبد الجواد موجه الجغرافيا تؤمن أن الارتباط بك ثمن لابد من دفعه مقابل الظفر ببيت وأطفال .. إنها أنثى الطبقة الوسطى التي تؤمن في لاوعيها بأن الحب خطيئة حتى في ظل مؤسسة الزواج ..
هذا عن انتمائك للطبقة الوسطى، فماذا عن كونك في منتصف العمر ؟... هل تذكر (هيام) أو (رانية) زميلة دراستك التي همت بها حبًا ثم تخلت عنك عند قدوم أول عريس جاهز (لأنها يجب أن تضع مستقبلها في الاعتبار) ؟.. جرب اليوم أن تحب (مروة) أو (هبة) طالبة الجامعة الحسناء ولسوف تتركك من أجل زميلها المفلس (الروش) الذي لا يملك إلا شبابه، والذي يعرف آخر أغنية لتامر حسني، ويعرف كيف يميز بين حلا شيحة وعلا غانم بينما كنت أنت تعتبرهما نفس الممثلة..
هذا عن العمر الوسط فماذا عن الزمن الوسط ؟.. لست في زمن جيفارا والقومية العربية ومؤتمر باندونج ومظاهرات الشباب واجتماعات المثقفين مع سارتر.. لقد ولى هذا الزمن، لكنك كذلك لا تبتلع فكرة العولمة التي هي الأمركة بمعنى آخر .. وما زلت تعتبر توماس فريدمان مغرضًا كاذبًا، وتعتبر بوش دمية في أيدي المحافظين.. وفي الجهة الأخرى يقف ابن لادن والزرقاوي يقدمان لك بديلاً مغريًا من الذبح والدخول بالطائرات في ناطحات السحاب.. فأين تقف بالضبط ؟
هذا يقودنا للتساؤل عن الموقف الوسط .. كنت تصغي لشباب الجماعات الدينية فتبهرك جديتهم والتزامهم والطريقة البارعة التي يجدون بها مخرجًا لأنفسهم وسط كل هذا الحصار .. ثم تصغي للشباب اليساري فتفتنك ثقافتهم وعمق قراءتهم والنظرة العلمية الصارمة التي يخضعون لها كل شيء .. ثم تعود لدارك لتتساءل: من أنت بالضبط ؟
صديق لي يعاني عقدة الوسط هذه، وكان يتوق إلى أن تكون له مغامرات نسائية لكن العمر فاته، قال لي في ضيق: "قبل أن أدخل الكلية كانت تسيطر عليها ثقافة الهيبيز والتحرر وكان جون لينون بطلاً قوميًا، ثم دخلت الكلية في أوائل الثمانينات فخرج أحدهم أمام المدرج وصاح: فليجلس الأخوة في جانب والأخوات في جانب لو سمحتم .. لا نريد أن نحرج أحدًا ... وألغيت كل حفلات الكلية.. وهكذا سيطرت الجماعات الدينية على سني الدراسة، وكان الفتى يقول لزميلته صباح الخير فتأتيه باكية في اليوم التالي تطالبه بإصلاح غلطته !.. هكذا تركنا الجامعة .. هل تعلم ما يحدث في الكليات اليوم ؟.. الزواج العرفي يتم عيني عينك، وهناك طرق عجيبة للزواج مثل أخذ الموافقة على الموبايل أو أن يبلل كل من الطرفين طابعًا بلعابه ثم يلصقه على جبين الطرف الآخر .. الحق إنني اخترت الزمن الخطأ كي أوجد !"
فكرت في كلامه فوجدته يعزف على نغمة لعنة الوضع الوسط التي أتحدث عنها .. وكما قلت من قبل: إن إمساك العصا من منتصفها والرقص على السلم لا يختلفان كثيرًا في الواقع، لكننا نحاول إقناع أنفسنا بأنهما مختلفان ..
من يدري ؟.. ربما أمشي في ذات الدرب الذي مشى فيه ذلك الصحفي البريطاني .. ربما أختفي في الأيام القادمة فيعرف من يسألون عني أنني أستكشف جبال الهيملايا أو الوديان الثلجية في سيبيريا !

Thursday, January 25, 2007

الأمير فوق من ذكرت



عن د/أحمد خالد توفيق
-----------------------------

لست أذكر المناسبة بالضبط، لأنني كنت مراهقًا في المدرسة الثانوية أجلس أمام جهاز التلفزيون، أتابع ما أذكر أنه حفل تكريم أو عيد للعلم .. شيء من هذا القبيل .. على المنصة يجلس الرئيس الراحل (أنور السادات)، واللحظة هي تكريم أحد أستاذته السابقين في المدرسة .. كان الرئيس الراحل يحب هذه المواقف لما فيها من مسحة درامية .. (هل تذكر الحطاب الفقير الذي آويته في دارك وأطعمته في تلك الليلة ؟.. لقد كان هو الخليفة متنكرًا ! .. وقد خلع عليك قصرًا وزكيبة من الذهب).. وقد سبق هذا تكريم مماثل لمن يدعى (سائق دمرو) الذي ساعد السادات في ظروف مماثلة ..
المهم أن الأستاذ المسن الذي تصلبت شرايين مخه، والذي عاش عصور النفاق منذ أيام مولانا ولي النعم، اعتلى المنبر فقال بالحرف الواحد: "الله يقول: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب .. أما نحن فنقول: إن في خلق السادات والأرض .. كذا .."
أقسم بالله أن هذا قيل حرفيًا، وسوف أُسأل عنه يوم القيامة .. لقد أصابني الهلع من هذه الدرجة العبقرية المفزعة التي يمكن أن يبلغها النفاق .. والأغرب هو أن أحدًا لم يعترض، والرئيس المؤمن نفسه لم يهب لتصحيح كلمات الرجل ..
كانت نهاية عصر السادات كما أذكرها مهرجانًا دائمًا من المزايدة على فن النفاق، وإنني لأذكر جلسة مجلس الشعب الصاخبة لتنصيب السادات سادس الخلفاء الراشدين.. بما أنني طنطاوي فقد شعرت بجو المولد الأحمدي العام حيث الكل يصرخ .. الكل مبتل بالعرق .. الكل يزايد .. ثم قتل السادات في ذات العام تقريبًا فلم يفده أحد بالروح أو الدم، وبادر كاتب صحفي كبير إلى انتقاد طريقة حكمه بعد دفنه بيومين ..
تذكرت هذا كله عندما قرأت مذهولاً قصة الطالبة التي عبرت عن نفسها في موضوع التعبير فقامت الدنيا ولم تقعد .. كنت قد كتبت من قبل عن مفهوم الإذاعة المدرسية والمدرس الذي يرغب في أن يرضى عنه ناظر المدرسة، وناظر المدرسة الذي يشتهي أن يرضى عنه وكيل الوزارة، ووكيل الوزارة الذي يتمنى أن يرضى عنه الوزير .. كتبت عن التصور الحكومي للتلميذ المثالي الذي يرقص طربًا لاتفاقية الكويز أو توشكى، وقد امتلأ رأسه بكلمات من عينة (النبراس) و(العلياء) و(السؤدد) يرصها في أي موضوع تعبير .. التلميذ الذي يؤمن أن الحكومة دائمًا على حق، وأن أفضل رئيس جمهورية هو الرئيس الحالي في اللحظة الحالية ..
لم تكن (آلاء) كذلك .. وقد كتبت ما خطر لها في ورقة التعبير لأنها افترضت أنه ما دام اسم المادة تعبيرًا، فعليها أن تعبر عن نفسها .. قال البعض إنها كتبت تشتم (بوش) وقال البعض إنها طالبت الرئيس بأن يتقي الله ..المهم أنها اصطدمت بعقلية (النبراس) و(العين ما تعلاش على الحاجب) هذه فكانت النتيجة كما يعرفها الجميع .. وكما يقول الأستاذ محمد حماد في جريدة (العربي ) الناصري: " والذى رأى وقرأ وسمع دفاع المسئولين فى وزارة التعليم والتربية سابقا عن الإجراء الذى اتخذوه بحق الطالبة يتصور أنها خانت الوطن وخرجت عن الملة، إذ قالت للرئيس اتق الله واحكم بالإسلام، والأغرب أنهم لحسوا كلامهم صبيحة أعلن الرئيس عفوه الكريم عن ابنته الطالبة، وتغير الحال فاستقبلها الوزير بنفسه وهنأها على نجاحها الذى كانوا يريدون لها أن تخسره وتخسر معه عاما من عمرها! .. انقلب حال الوزارة وانقلب حال الصحف وخرست ألسنة السوء التى طالبت بمعاقبة الطالبة التى خرجت عن الأخلاق وأساءت الأدب، وتبدل الحال وأصبح ما قالته يدخل فى باب حرية الرأى التى يحترمها الرئيس ويحرضها وزميلاتها وزملاءها على ممارستها! "
هناك إشاعة قوية يتناقلها الناس حول أن أمن الدولة اقتنع بأن ما تقوله الفتاة ليس كلامها، بل هو كلام جهة أكبر وأخطر !.. هكذا تم اعتقال أبيها للتحقيق معه باعتباره بداية الخيط التي ستقود إلى (أيمن الظواهري) نفسه !.. سمعت هذه الإشاعة فلم أصدقها .. منطق النفاق يقول إنه لن يجرؤ أحد على التحرش بهذه الطالبة ثانية .. لقد اهتم الرئيس بها شخصيًا وصار الاقتراب منها محفوفًا بالخطر، وأعتقد أن هؤلاء المسئولين الملكيين أكثر من الملك سوف يدفعون ثمن نفاقهم غاليًا .. نفس ما حدث لمذيع شهير حاول أن يتملق الرئيس بطريقة ضايقته، وكانت النتيجة أن تم استبعاده تمامًا من أية حوارات أخرى مع الرئيس.. لقد انقلب السحر على الساحر ..
إن ثقافة النفاق عتيقة جدًا في بلادنا .. ومهما دارت الأيام فإن مفهوم الشاعر الذي يدخل على الخليفة فيمدحه، ويخرج حاملاً زكيبة مال ، هو مفهوم متأصل فينا ويصعب الخلاص منه ..
لا ازعم أنني درست الأدب العالمي، لكن أزعم أن أي دارس للأدب سيتعب كثيرًا حتى يجد بيتًا من الشعر في أية لغة يماثل ما قاله ابن هاني الأندلسي في مدح الخليفة الفاطمي المعز لدين الله :

ماشئت لا ماشاءت الاقدار....فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد .....وكأنما أنصارك الانصار !!

بصرف النظر عما في هذا الكلام – البيت الأول - من شرك صريح، فإن أية أمة يُقال فيها كلام كهذا هي أمة مقضي عليها بالفناء، فلا غرابة أن يقال إن هذا الشعر كان نذيرًا بفناء دولة العرب في الأندلس.
المزايدة تتكرر في قصص التراث بلا انقطاع .. ها هو ذا (أبو تمام) ينشد قصيدته السينية أمام الأمير (أحمد بن المعتصم) .. فيقول الشاعر في نفاق صادق حار واصفًا الأمير:

إقدام عمرو في سماحة حاتم .....في حلم أحنف في ذكاء اياس

هنا يتدخل رجل بلغت به (سلطنة) النفاق درجة أعلى .. هذا الرجل هو أبو يوسف يعقوب الكندي قائلاً:
ـ"الأمير فوق من ذكرت !"
يعني كل هذا النفاق غير كاف .. الأمير أعظم من هذا .. لابد من المزايدة فقد بدأ (مولد) النفاق .. وعلى الفور يستغل (أبو تمام) موهبته ليرتجل شعرًا لم يكن مكتوبًا:

لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس
فاللّه قد ضرب الاقل لنوره ......مثلا من المشكاة والنبراس


هذه القصة لا ترد في المراجع دليلاً على عبقرية النفاق أو قلة الأدب (فهناك تشبيه ضمني للأمير بالله تعالى) ، بل على براعة الشاعر وحسن تصرفه .. ولسبب ما أوشك أن أرى ذلك المسئول التربوي الذي ألغى امتحان آلاء يصرخ فيها : الأمير فوق من ذكرت !...
الأمثلة كثيرة جدًا ولا شك في أنني نسيت ذكر أهمها .. لكني أتذكر كذلك مقولة الأستاذ (أحمد بهجت) الرائعة : "للنفاق في بلادنا هيبة".. كان يحكي عن زيارته لأحد أصدقائه – ممن لم يعرف عنهم أي تدين - الذي صار شيخ طريقة .. قابله جالسًا في سرادق محاطًا بالمريدين، فتقدم نحوه ليصافحه وهو يوشك على الانفجار ضحكًا .. ثم أخذته هيبة النفاق فانحنى يلثم يده !
أحيانًا يبلغ النفاق درجات من التعقيد يصعب أن تتخيلها .. مثل ذلك المطرب الذي ينشد في أحد أعياد أكتوبر: "لا حيغنيني ولا يرقيني .. ولا فيه مصلحة بينه وبيني .. باقولها وأجري على الله .. علشان كده احنا اخترناه !" .. يريد أن يقنعني أن مدحه لرئيس الجمهورية هو كلمة حق أمام سلطان جائر ! .. وأجره بعد ذلك على الله ..
ذات مرة – قبل أن يدخل معترك السياسة بهذا الوضوح – زار السيد (جمال مبارك) مدرسة خاصة للفتيات في القاهرة، فنشرت التلميذات في إحدى المجلات رسالة مناشدة إلى الرئيس تقول: "نحن في بلد ديمقراطي ومن حقنا التعبير عما يجول بخاطرنا، وانت علمتنا الحرية وعدم الخوف .. لذا نطالب الرئيس مبارك بأن يكلف السيد (جمال) بوظيفة سياسية مهمة !".. هذا نوع من النفاق عجيب، على غرار: "أتركني أقول شهادتي التي سأسأل عنها أمام الله .. أنت أعظم وأروع من رأيت !".. تخيل لو أنهن نشرن رسالة يطالبن فيها الرئيس بعدم إسناد أي منصب رسمي لابنه !
المنافقون .. المنتفعون .. مشكلة هذا البلد وكل بلد عربي ..
هناك دومًا من يريدون أن يبقى الحال على ما هو عليه، وهم قادرون في أية لحظة على تنظيم المظاهرات المضادة، ونشر العرائض المكتوبة بالدم والمبايعة، وأن يملئوا البلد باللافتات المؤيدة لأي شخص وأي قرار في أية لحظة .. هؤلاء هم الذين يفرغون أي إصلاح حقيقي من محتواه ..
سواء كانت نية الرئيس (علي عبد الله صالح) صادقة في التخلي عن الحكم أم خلاف ذلك، فقد تكفل هؤلاء في اليمن بإحباطها وعادت الأمور كما كانت، وهم مستعدون في أي بلد عربي كي يهتفوا (الأمير فوق من ذكرت) في أية لحظة .. ولسوف يظهر لهم من يزيد بيتين من الشعر لإرضاء الحاكم..
الأمير فوق من ذكرت .. فلا مكان لطالبة ساذجة تعتقد أن موضوع التعبير يعطيها الحق في أن تعبر عن أفكارها .. والويل كل الويل لمن يبتعد عن ثقافة (السؤدد) و(النبراس) هذه .

Tuesday, January 23, 2007

أسطورة الحب والجنون


في قديم
الزمان

حيث لم يكن على الأرض بشر بعد
..!
كانت " الفضائل والرذائل "
تطوف العالم معا"
وتشعر بالملل الشديد .
ذات يوم
!
وكحل لمشكلة الملل المستعصية !!
إقترح ( الإبداع ) لعبة وأسماها :
" الإســتـــــغــــمــــــايــــ ــة "

؛؛ أحب الجميع
الفكرة ؛؛

وصرخ { الجنون } :
أريد أن أبدأ .. أريد أن أبدأ

أنا من سيغمض عينيه
سأبدأ بالعد وأنتم عليكم مباشرة بالإختباء %
ثم إتكأ بمرفقيه على شجرة !
وبدأ بالعد
:
1
2
3

وبدأت " الفضائل والرذائل "
بالإختباء
...

وجدت { الرقة } مكانا" لنفسها فوق القمر ؛
وأخفت { الخيانة } نفسها في كومة قمامة ؛
دلف { الولع } بنفسه بين الغيوم ؛
ومضى { الشوق } إلى باطن الأرض ؛

{ الكذب } قال بصوت عال :
سأخفي نفسي تحت الحجارة !
ثم توجه لقعر البحيرة ؟!

وإستمر { الجنون } :
79
80
81
خلال ذلك ...^؛؛؛
أكملت كل " الفضائل والرذائل "
تخفيها
...
ماعدا {{ الـــحـــب }} كعادته !
لم يكن صاحب قرار ...%
وبالتالي لم يقرر أين يختفي ؟
وهذا غير مفاجئ لأحد ...!
فنحن نعلم كم هو صعب إخفاء
% {{ الـــــــــــــحـــــــــــــب }} %

تابع { الجنون } :
95
96
97
وعندما وصل { الجنون }
في تعداده إلى ؛
100

قفز {{ الـــحـــب }} وسط أجمة من الورد وإختبى بداخلها ...
فتح { الجنون } عينيه وبدأ البحث صائحا" :
أنا آت إليكم .. أنا آت إليكم

كان { الكسل } أول من إنكشف .!
لأنه لم يبذل أي جهد في إخفاء نفسه !؟

ثم ظهرت { الرقة } المختفية في القمر ...
خرج { الكذب } من قاع البحيرة مقطوع النفس .!
وأشار على { الشوق } أن يرجع من باطن الأرض ...%

وجدهم { الجنون } جميعا"
واحد بعد الآخر ....%
ماعدا {{ الـــــــحــــــب }} !؟!

كاد يصاب بالإحباط واليأس في بحثه عن {{ الــــــــــــــحــــــــــــب
}} ؟

حينها إقترب منه { الحسد } وهمس في إذنه :
{{ الـــحـــب }} متخف في شجيرة الورد ...!؟
التقط { الجنون } شوكة خشبية أشبه بالرمح ...!
وبدأ في طعن شجيرة الورد بشكل طائش !
ولم يتوقف إلا عندما سمع صوت بكاء يمزق القلوب ؟؟!
ظهر {{ الــــحــــب }} وهو يحجب عينيه بيديه والدم يقطر
من بين أصابعه
...!!

صاح { الجنون } نادما" :
ياإلهي ماذا فعلت !؟
ماذا أفعل كي أصلح غلطتي بعد أن أفقدتك البصر !؟

أجابه {{ الـــــحـــــب }} :
لن تستطيع إعادة النظر لي !
لكن لازال هناك ماتستطيع فعله لأجلي !!
% كــــــــن دلـــيـــلــــي %
وهذا ماحصل من يومها :! %
% يــــــــمــــــــــضــــــــي %
% الـــــــــــحــــــــب %
% الأعــــمــى %
% يــــــــــقـــــــوده %
% الــــــــجــــــــنــــــــــ ون %


منقول!

إبراهيم الموصلي وزائره الغريب

قال المغنـِّي إبراهيم الموصلي: ‏ ‏ استأذنتُ هارون الرشيد في أن يَهَبَ لي في كل أسبوع يومًا أخلو فيه مع جواري، فأذِن لي في يوم الأحد. وقال: ‏ ‏ هو يومٌ أسْتَثـْقـِلُه. ‏ ‏ فلما كان في بعض الآحاد أتيتُ الدارَ فدخلت، وأمرتُ الحجـّابَ ألاّ يأذنوا لأحد عليّ، وأغلقت الأبواب. ‏ ‏ فما هو إلا أن جلست حتى دخل عليَّ شيخ حسنُ السَّمْتِ والهيئة، على رأسه قلنسوة صغيرة، وفي رجله خُفـّان أحمران، وفي يده عصا مُقَمَّعَة بفضـَّة. ‏ ‏ فلما رأيتـُه امتلأتُ غيظـًا، وقلت: ألم آمر الحجـّاب ألا يأذنوا لأحد؟ ثم فكرت وقلت: ‏ ‏ لعلهم علموا من الشيخ ظَرْفًا وهيئة، فأحبوا أن يُؤْنسوني به في هذا اليوم. ‏ ‏ وسلـّم الشيخ، فلما أمرته بالجلوس جلس، وقال: ‏ ‏ يا إبراهيم، ألا تغنّيني صوتـًا؟ ‏ ‏ فامتلأت عليه غيظـًا، ولم أجد إلى ردّه سبيلاً لأنه في منزلي، وحملته منه على سوء أدب العامة. فأخذتُ العود وضربتُ وغنيت ووضعت العود. ‏ ‏ فقال لي: ‏ ‏ لِمَ قطعت هزارك؟ ‏ ‏ فزادني غيظـًا، وقلت: لا يُسـَيِّدُني ولا يُكَنِّيني ولا يقول أحسنت! فأخذت العود فغنّيت الثانية، فقال لي: ‏ ‏ أحسنت! فكِدْت واللّه أشقّ ثيابي! وغنّيت تمامَ الهزار. فقال: أحسنت يا سيدي! ثم قال: ناولني العود. ‏ ‏ فواللّه لقد أخذه فوضعه في حِجره ثم جَسَّه من غير أن يكون ضَرَب بأَنْمـُلَة، فواللّه لقد خِلْتُ زوال نعمتي في جَسِّه. ‏ ‏ ثم ضرب وغنّى
‏ وقــد زعمـوا أن المـحبّ إذا دنـا يُمـَلُّ .. وأن النـَّأْيَ يُسلي من الوَجـْدِ بكــلٍ تداوينا
فلـم يـُشـْفَ ما بنا ‏على أن قربَ الدار خيرٌ من البُعـْدِ
‏ فواللّه لقد خِلـْت كل شيء في الحضرة يتغنّى معه حتى الأبواب والستور والنمارق والوسائد وقميصي الذي على بدني. ثم قال: ‏ ‏ يا أبا إسحاق! هذا الغناء الماخوريّ، تعلـّمه وعلـِّمه جواريك. ‏ ‏ ثم وضع العود من حِجره وقام إلى الدار، فلم أره. فدفعت أبواب الحرم فإذا هي مغلقة، فسألت الحجّاب عن الرجل، فقالوا لي: ‏ ‏ لم يدخل عليك أحدٌ حتى يخرج. ‏ ‏ فأمرت بدابّتي فأُسْرِجت، وركبت من فوري إلى دار الخليفة، واستأذنت. فلما رآني قال ألم تنصرف آنفـًا على نيّة المقام في منزلك والخلوة بأهلك؟ ‏ ‏ قلت: ‏ ‏ يا سيدي، جئتُ بغريبة. ‏ ‏ وقصصت عليه القصة. فضحك الرشيد حتى رفع الوسائد برجليه. وقال لي: ‏ ‏ كان نديمُك اليوم إبليس يا أبا إسحاق. ودِدتُ أنه لو مَتَّعَنَا بنفسه كما متـَّعك!

من كتاب "جمع الجواهر في المُلـَح والنوادر" للحـُصـْري.